م. خالد إبراهيم الحجي
إن المرافق المادية العامة المختلفة التي تخدم جميع المجتمعات اتفق مجتمع الهندسة المدنية على تسميتها بمصطلح البنية التحتية يقصد بها شبكات الطرق وأنظمة المياه والصرف الصحي والاتصالات والنقل والمواصلات والكهرباء والطاقة، كما تشمل مجال تقنية المعلومات التي يقصد به تدفق المعلومات ومعالجتها بواسطة الخوادم الحاسوبية ومكونات شبكاتها المختلفة. وتمثل البنية التحتية القاعدة الصلبة التي تدعم مجالات الزراعة، والتجارة والصناعة، والأمن العسكري والوطني التي يرتكز عليها أساس النمو الاقتصادي الوطني.. والبنى التحتية الأساسية ليست ترفاً بل هي ضروريات ملحة لتسهيل أساسيات العيش وتلبية متطلبات الحياة، وتلعب دوراً أساسياً ورئيسياً في دعم موارد ومصادر الاقتصادات ونموها وتقدمها وتطورها في جميع الدول النامية والمتقدمة. والعلاقة بين البنية التحتية وبين النمو الاقتصادي علاقة تبادلية وكل منهما يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً؛ لأن تكامل البنية التحتية وجودتها يعزز النمو الاقتصادي ويؤدي إلى تقدمه وتطوره، والاقتصاد القوي يحسن البنية التحتية ويقويها ويطورها، والخلل أو القصور أو العجز في أي مرفق من مرافقها يضر الاقتصاد ويعيق تطوره.
وبناء البنية التحتية وإنشائها والمحافظة على صيانتها بمستوى عالٍ مكلف جداً ويحتاج إلى استثمارات مالية كبيرة جداً تصنف في عالم الاقتصاد بأنها استثمارات في فئة الأصول الثابتة، (فكسد آستس) ويقصد بها الممتلكات المادية طويلة الأجل التي تُستخدم لتحقيق وتوفير الدخل المالي الثابت وتحمل الحد الأدني من مخاطر الخسارة على عكس الاستثمار في الأسهم والأوراق المالية الأخرى التي تحمل مخاطر مرتفعة للخسارة. ومن أمثلة الاستثمارات الآمنة في البنى التحتية التي تجذب القطاع الخاص تلك الداعمة للخدمات اللوجستية وتتعلق بنقل البضائع من مكان لآخر؛ وهذه الاستثمارات الآمنة لها ثلاثة مصادر للتمويل هي:
(1): تمويل كامل من الحكومات (القطاع العام) فقط: مثل الاستثمار في بناء شبكات القطارات التي تنقل حاويات البضائع مباشرة من البواخر التي ترسو في الموانئ البحرية إلى المدن الداخلية والصحراوية؛ كما يحدث في نقل الحاويات بالقطار مسافة (450) كم من ميناء الدمام في المملكة العربية السعودية الواقع على ساحل الخليج العربي إلى الميناء الجاف في العاصمة الرياض، حيث يتم فيه تحصيل الرسوم الجمركية وإنهاء جميع خدمات التخليص والإفراج عن البضائع من الساحة الجمركية على جميع الحاويات التي تصل إليه بالقطار.
(2): تمويل كامل من القطاع الخاص فقط: مثل الاستثمار في مد خطوط الأنابيب لنقل النفط الخام من منابعه إلى مصافي التكرير البعيدة جداً عنها، وفي هذه الحالة يعود الاستثمار بالنفع على المستثمر الممول، وشركة النفط الخام، ومصفاة التكرير، وعلى سكان المنطقة بتوفير فرص العمل والتوظيف والمنافع التجارية. مثل قيام شركة أرامكو السعودية (الممول ومالك البضاعة) بمد أنبوب نقل النفط الخام بطول (143) كم من منابع النفط الخام في مدينة بقيق الصحراوية في السعودية إلى موقع مصفاة تكرير البترول المقامة في مدينة رأس تنورة على ساحل الخليج العربي.
(3): تمويل مشترك بين القطاع الخاص وبين القطاع العام: فمعظم الحكومات في أكثر دول العالم اليوم تميل إلى إنشاء شراكات بينها وبين القطاع الخاص لتمويل مشاريع البنى التحتية، لأن التمويل الحكومي يكون حافزاً لاستقطاب المستثمرين من القطاع الخاص؛ كما يحدث في السعودية بموجب الاتفاقية بين شركة معادن وعد الشمال للفوسفات الخاصة وبين شركة (سار) للقطارات السعودية التي تمتلكها الحكومة السعودية بالكامل، حيث تم مد خط قطار الفوسفات بطول (1392) كم لنقل حامض الفوسفوريك من مصانع الشركة في مدينة وعد الشمال القريبة من مناجم الفوسفات الواقعة في أقصى شمال السعودية إلى مجمع الصناعات التحويلية والتصدير التابع للشركة في ميناء رأس الخير المطل على الخليج العربي..
الخلاصة:
إن تكامل البنى التحتية وجودتها استثمار في مستقبل الأجيال القادمة.