د. سعاد زيد الزيد
برز مفهوم التنمية البشرية المستدامة؛ بهدف الارتقاء بالعنصر البشري دون تمييز بين فئاته؛ لذا كان التوجه نحو الاستفادة من جميع الموارد البشرية في المجتمعات، وتسخير كل الطاقات المادية والبشرية، بما في ذلك إشراك المرأة التي تمثل نصف المجتمع، وأصبح عليها اعتماد كبير في تنفيذ برامج التنمية الاستثمارية والاقتصادية والاجتماعية، مع الحاجة المتزايدة لإشراكها في برامج ومشاريع التنمية؛ لتكون محورًا للتطور والتقدم.
وتُعد المرأة - عبر التاريخ - محور علاقات الأسرة، والأكثر تأثيرًا في البنية الاجتماعية، وعاملًا أساسيًا في التغيير الاجتماعي؛ من خلال تكامل أدوارها مع الرجل؛ لإحداث التغيير المنشود من تحول وتطور في أسلوب الحياة؛ ما يؤثر على المجتمع وقيمه، وعلاقاته، ومؤسساته الخدمية.
وفي إطار الاهتمام بقضية التنمية البشرية المستدامة، وانطلاقًا من ارتكاز التنمية على استثمار الطاقات البشرية في المجتمع - دون تمييز بين الرجل والمرأة - يصبح الاهتمام بالمرأة وأدوارها في تنمية المجتمع ضروريًا؛ إذ يرتبط تقدم أي مجتمع ارتباطًا وثيقًا بمدى تقدم المرأة، وتطور قدرتها على وضع لبِنة المشاركة في التنمية.
وقد أعطى الدين الإسلامي صورة متكاملة عن دور المرأة ومكانتها في المجتمع؛ وهو ما تُرجم عمليًا من خلال التشريعات التي تحدد حقوقها وواجباتها، مع الاستفادة من الفرص المتاحة أمامها لدخول أسواق العمل، وانخراطها في المشاريع المستقبلية.
وفيما يخص الاتجاه العالمي حيال المرأة، فقد اهتم العالم بقضية تنمية المرأة وتمكينها من أداء أدوارها بفعالية مثل الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرار في شتَّى مناحي الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية؛ وهو ما واكب اهتمام كثير من الدول، والهيئات، والمنظمات الدولية، والإقليمية بالمرأة.
وعربيًا، هناك نهوض بواقع المرأة ودورها وتعزيز قدراتها وتمكينها من التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية العامة؛ وهو اتجاه أصبح يشكل اليوم أمرًا جادًا، كما بدأت المرأة نفسها، تعي واقعها، والفجوة الكبيرة بينها وبين الرجل في التقدم والتطور، فأخذت تسعى نحو تغيير أوضاعها، والبحث عن ذاتها وإبراز مكانتها في المجتمعات المدنية، إضافة إلى اهتمامات المنظمات النسائية، والجهات الرسمية التي تتنامى أكثر فأكثر باتجاه النهوض بها، والتأييد الرسمي للتحولات المختلفة في حياتها، وفي أدوارها، وإدماجها في عمليات وأنشطة مسارات التنمية المستدامة.
وعلى ضوء ذلك، أثبتت الدراسة الاجتماعية الميدانية، أن نزول المرأة ميادين العمل، ومساهمتها في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، قد حقق مكسبًا كبيرًا في تكوين اتجاهات جديدة في تحرر المجتمعات من الجمود، ودفعها إلى الإنتاج، والمشاركة، والتفاعل الإيجابي البنَّاء لخلق جيل واعٍ مدرك لأهميته، وواجباته المجتمعية.
ويتمثل الدور الاجتماعي للمرأة في الأنشطة التي تقوم بها المرأة في نطاق دائرة أسرتها، خاصة فيما يتعلق بتربية أبنائها، وعلاقة أسرتها بغيرها خلال نشاطها اليومي والاجتماعي، أما دورها الثقافي فيرتكز على قدرتها على تقييم ما تتلقاه من معلومات تفاعلية تدعم دورها الريادي، وقراراتها؛ لتتبلور على جادة الطريق.
وتعتمد درجة إسهامات المرأة الاجتماعية والثقافية على مدى الخدمات التي يوفرها المجتمع، والتي تساعدها على القيام بهذه الأدوار؛ مثل مراكز الخدمات الاجتماعية، ومراكز التدريب المهني، والاستشارات المتخصصة وغيرها؛ لأن المرأة في حاجة ماسة لإعدادها جيدًا، وتمكينها من القيام بالإسهامات والواجبات المنوطة بها، خاصة إذا كان المجتمع يريد الاستفادة من مساهماتها في المشاريع التنموية وخطط الإنجاز؛ الأمر الذي يساعدها على أداء دورها.
كذلك، هناك مجموعة عوامل، تساعد المرأة في تنمية وعيها الثقافي، تتحد مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في ارتفاع مستويات الدخل، والتنوع المهني والحرفي، والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تلعب وسائل الاتصال والتواصل دورًا هامًا في زيادة انفتاحها على الثقافات المحلية والعالمية للاستفادة المتبادلة.