د. أحمد الفراج
يتفق كل المعلقين على أن السياسي الأمريكي، ديك تشيني، هو أقوى نائب رئيس في التاريخ الأمريكي، وتكمن أهمية هذا التصنيف في أن هذا المنصب يعتبر شرفيًا إلى حد ما، ولا يعني ذلك أنه ليس مهما، فقد حرص الآباء المؤسسون، عند كتابة الدستور، على إضفاء أدوار مهمة لهذا المنصب، فنائب الرئيس هو رئيس مجلس الشيوخ، وبالتالي هو الصوت المرجح، في حال تعادلت الأصوات، وقد أثبتت الأحداث أهمية ذلك، كما أن النائب يصبح رئيسًا بشكل أوتوماتيكي، بعد وفاة الرئيس أو عزله أو استقالته، وقد حدث ذلك مرارًا، فجيرالد فورد لم يكن ليصبح رئيسًا، لولا استقالة نيكسون، وليندون جانسون لم يكن ليصبح رئيسا، ويوقع على أهم قانون في القرن الماضي، أي قانون المساواة بين السود والبيض، لولا اغتيال كينيدي.
ديك تشيني سياسي عتيد، فتجربته تعود إلى زمن الرئيس فورد (1975)، عندما أصبح رئيسا لهيئة موظفي البيت الأبيض، ثم انتخب عضوًا في مجلس النواب لمدة عشرة أعوام (1979-1989)، ثم تسنم منصب وزير الدفاع في إدارة الرئيس بوش الأب، وهو الزمن الذي تمت فيه حرب تحرير الكويت، وبالتالي لم يكن ليقبل أن يكون نائبا للرئيس بوش الابن، عديم الخبرة، الذي لم يتوقع فوزه أحد، لولا أنه اتفق معه على أن يتقمص أدوارًا أكبر من الأدوار التقليدية لنائب الرئيس، وشخصيا لا أستبعد أن بوش الأب، الذي يعرف قدرات ابنه وقدرات تشيني جيدا، كان له دور في اختيار تشيني نائبا لابنه، لأن تشيني لم يكن مجرد نائب رئيس، بل رئيس بالمشاركة، إن صح التعبير، خصوصًا وأن فترة بوش الابن وتشيني كانت من أحلك الفترات، إذ شهدت بدايتها أحداث سبتمبر، التي غيرت أمريكا والعالم للأبد.
شهدت تلك الفترة صعود المحافظون الجدد بزعامة تشيني، وهم مجموعة صقور جمهورية، تميل لاستخدام القوة، ولا تتوانى عن تأديب كل من لم يذعن للقوة العظمى، فعلاوة على تشيني، هناك دونالد رومسفيلد، وزير الدفاع الشرس، الذي لم يتحمل حتى الجنرالات قسوته، وأمير الظلام، ريتشارد بيرل، والثعبان الصامت، بول وولفوتز، ومعهم السمراء كونداليزا رايس، وكل هؤلاء من مدرسة المفكر الألماني، ليو شتراوس، الذي تقوم مدرسته في الفكر السياسي على: «ليس مهما أن يُحبّك الناس، فالمهم هو أن يخافوك»، وقد طبق تلامذته هذه العبارة حرفيًا، فتشيني ورفاقه ضربوا أفغانستان، ثم دمروا العراق واحتلّوه رغم أنف العالم، رغم أنه لا علاقة لصدام بتنظيم القاعدة، هذا علاوة على التستر على تعذيب المعتقلين خارج أمريكا، والسياسات الداخلية، التي شملت التجسس وخلافه، وكل هذه الأحداث الجسام كان وراءها الصامت والكاره للأضواء، ديك تشيني، رجل الأعمال المليونير، والسياسي اليميني، الذي أدار أمريكا والعالم لمدة ثماني سنوات، من خلال منصب نائب الرئيس!