عبدالعزيز السماري
لعل التعريف الأكثر شعبية للفساد، هو «إساءة استخدام الإدارة أو السلطة الموكلة من أجل المكاسب الخاصة»، في حين أن هناك إجماعًا واضحًا ومتينًا بين مختلف الأطراف بما في ذلك الخبراء والعامة حول ضرورة معاملة الفساد كنوع من الشر الاجتماعي، فإنه ليس من المتفق عليه ما يجب القيام به من أجل الحد من الفساد، والتقليل من الضرر الذي يلحق بالمجتمعات، على الرغم من مبادرات مناهضة مكافحة الفساد المتكررة..
استخدم إدوين ساذرلاند، في كتابه الشهير لأول مرة وصف جرائم ذوي الياقات البيضاء (1949)، وخلص إلى أن الفساد هو عجز النظام القانوني في ذلك الوقت عن تقديم أولئك الذين ينتهكون المبادئ الأساسية للنزاهة والأخلاق في المناصب العامة والأعمال إلى العدالة، بينما هم في حقيقة الأمر أكثر خطورة على المجتمع من «جرائم الشوارع»..
هناك من يرى أن للفساد في البدء بعض من الإيجابية، في أن يعزز الشرعية عن طريق دمج النخب، وبالتالي تعزيز التكامل الوطني؛ وتعزيز الاستقرار السياسي من خلال منح «مصالح» حصة في النظام أو سد الفجوات بين مصالح الأغلبية والأقلية؛ لكن تأثيراته طويلة الأجل تكون مدمرة على الجميع، فالتحكم في مفاصل الاقتصاد والعمل والأخلاق تشكل ضغطاً متواصلاً على مستقبل المصالح العامة..
هناك فرق شاسع بين الفساد الأخلاقي والفساد المؤسسي، والأخير كان وما زال أكثر خطورة من فساد الفرد، وقد عجز التراث الإسلامي في مساره الطويل عن التفريق بينهما، وكان الفساد دوماً محصوراً في ارتكاب الفرد لمخالفات شخصية أخلاقية، لكن تأثيراتها لا تتجاوز كثيراً الفرد ومحيطه الصغير، بينما يؤدي الفساد المؤسسي إلى فساد أكثر شمولاً وضياعاً لمصالح الناس.
من أبرز أسس الفساد التبعية والأخلاق، وفي كثير من الأحيان يتكون منهج نفعي للفساد أساسه التبعية، فالمصلحة تصبج بتراكم فلسفة الفساد مجردة من الأخلاق، وهو ما يؤدي إلى توسع دوائرها إلى أن تصبح قوة لا يُستهان بها في المجتمع، وإذا أرادت الدولة إلى التحرك تجاه هذا الوحش الكاسر، عليها أن تلجأ بسرعة إلى السياق الاجتماعي من خلال إعادة تنشيط برامج تجديد الوعي الاجتماعي، على أساس التطبيق الفعال للقانون، وتوفير التعليم المناسب للجميع، والقضاء على الفقر، مع العمل إلى التجديد الأخلاقي لجميع السكان..
هناك عامل معقد فيما يتعلق بدراسة أعمال الفساد في المجتمعات النامية هو أن المجتمعات المختلفة لديها تصورات مختلفة عن الصواب والخطأ، فما قد يعتبره الشخص فاسدًا، قد يعتبره الآخر ممارسة صادقة عادية، ويفسر ذلك تورط الموظفين الشرفاء بدون وعي في سلسلة من الممارسات الفاسدة من قبل صاحب العمل، لكنهم لا يشعرون بأنهم مسؤولون بشكل شخصي، فمن الخصائص الهامة للفساد، ميلها إلى خلق نوع من «الجو» الذي يمكن أن تزدهر فيه، وبالتالي تتحول إلى قاعدة للعمل في المؤسسة أو الشركة..
ولهذا من الضروري العمل على التجديد المعرفي للسكان، وتقديم معلومات وتعريفات جديدة لمختلف أنواع الفساد، ومعاملاته، ونشرها في مختلف المؤسسات والشركات بين الموظفين، مع تفعيل آليات القانون المضاد لتلك المخالفات، ويتطلب النجاح في مكافحة الجريمة والفساد يفترض وجود مجتمع أخلاقي أي مجموعة من الناس الذين يحاولون في معظم الأحيان أن يفعلوا ما هو صحيح أخلاقيا، وأن يتجنبوا مخالفة النظام، وبالعمل المتواصل يتم تحويل مسار النجاح في المجتمع إلى فعل الشيء الصحيح واحترام القانون....