أنا متزوجة منذ 15 سنة، لدي 4 أبناء، يبدأ يومي بالذهاب لعملي وبعد يوم مجهد أعود لتدريس الأولاد والإشراف على بعض مهام البيت أما مشكلتي في جفاء العلاقة الزوجية؛ فزوجي يعود من عمله وبعد الغداء ينام إلى نهاية النهار ثم يستيقظ وبعد اللعب مع أولاده بالبلاي ستيشن يكمل السهرة مع أصدقائه إلى منتصف الليل. برنامجه اليومي هذا أصابني بشعور مرير بالوحدة والظلم معاً فأنا أحس بالوحدة لأني في منطقة بعيدة عن أهلي وبالظلم لأني أعيش حياة مملة وروتينية ولا أسمع منه كلمة شكر أو حب أو حتى بأهمية وجودي في حياته.
حاولت كثيراً مناقشته وتنتهي المناقشات معه بالخلاف والهجران، حاولت أدخل والدته فرفضت التدخل، لا أعرف أحداً يمكن الوثوق به ليتدخل لنصحه.. أشيري عليّ ماذا أفعل؟
سأتصور أن المشكلة جاءت لي من زوجك (ولك الحق في موافقتي أو الاعتراض): سيكتب لي ملخص لمشكلته فيقول: زوجتي تعود من عملها وهي في حالة غضب وتوتر شديد، تدرس الأولاد في البيت، وحينما أعود للبيت وأنا في حالة إرهاق وتعب وضغط أريد أخذ قسطاً من النوم للراحة، وبعد أن أستيقظ من نومي، أتسلى وأسلي الأولاد باللعب معهم، ومن حقي إكمال السهرة مع أصدقائي، ولكني حين أعود أجد زوجتي في استقبالي وهي لازالت في حالة هياج وغضب، وفي وقت متأخر من الليل لست مستعداً لأفتح معها أيّ نقاش!.
لن تحل المشاكل إذا كان كل من الطرفين ينظر للموضوع من زاويته هو فقط وكذلك لن نجد للمشاكل حلاً حين تحلل الأطراف الموضوع بروح الضحية والفدائي.
لن تحل المشاكل إذا لم يكن هناك قدر كبير من التفهم بين الشريكين، وقدر مضاعف من التغاضي.
لن تحل المشاكل عموماً و(الزوجية) تحديداً، إذا كان أحدهما يضغط على نفسه بأداء دوره على أكمل وجه، في حين شريكه لا يؤدي إلا الحد الأدنى من واجبه.
وفي الآخر لن تحل المشاكل و(الزوجية) تحديداً إذا كان كل واحد ينظر للآخر على أنه خطأ و(أنا) هو الصح.
أولاً: دعونا نؤكد على قانون (العلاقات) القائم على (الأخذ مقابل العطاء). وهذه العملية الديناميكية هي التي تضمن بقاء العلاقات وصحتها معاً.
ولكن في الاستشارة المعروضة، ما الشيء الذي تقدمه الزوجة، دون أن تحصل على مقابله، وما الشيء الذي يقدمه الزوج دون أن يربح ما يقابله؟!.
الزوجة تقدم الخدمة والرعاية والجهد ووو...، ولا تحصل على التقدير والمشاركة والحب. والزوج يوفر الدخل المادي، وملاطفة الأولاد، دون أن يحصل على القبول والتفهم.
إذاً كلاهما يشكو وكلاهما يعتقد أنه الطرف المحروم.
وعند وجود أحد الأطراف وغياب الآخر، فلن أهدر الحبر كثيراً، وسأنتقل إلى قانون آخر يحكم العلاقات سواء في نجاحها أو توترها وفشلها وهو قانون (الانعكاس) أيّ أن التجارب الخارجية إنما هي انعكاس لما يدور بالداخل. فبناءً على هذا القانون الكوني، فإن هناك شيئاً ما كامن في داخلك يهمس لك باستمرار ويقول لك أنت جيدة أنت تؤدين عملك بإتقان وتقومين بدورك خير قيام فتشعرين حينها بالمتعة والفخر والزهو، هذا بدوره يقودك لأمرين الأول: القيام بمزيد من الخدمات والثاني: توقع الإعجاب والشكر، لكونك ناجحة في مهامك وبامتياز! في حين أن صوتاً آخر ناقد وناقم - يسمعه زوجك كما تسمعينه أنت- يهمس في أذنك.. أما زوجك فهو مستهتر أناني لا هم له إلا نفسه يتسلى ويلهو ويسهر ووو...، قائمة طويلة من علامات النقص وإشارات الاتهام!.
وحينما تصل تلك الاتهامات لزوجك سواء نطقت بها أم لا! فردة فعله الطبيعية إذاً أنا كذلك، أنا كذلك! أنا مستهتر، وعديم المسؤولية، وأناني ووو...، سأثبت لك ذلك أكثر، وأكثر، ولن تنتظري مني إلا ذلك!.
إذا فالحل الجذري يكمن في معالجة السبب من عمقه.
إذ لو تصورنا أن زوجك اقترن بامرأة أخرى، جاءت من بيئة مختلفة عن بيئتك المسؤولة التي تخرجت منها؛ ستحدث نفسها بأن لها زوجاً ملتزماً ويقم بواجباته الزوجية، ولا يخونها، وسهراته بريئة مع شباب مثله، وخروجه يمنحها فرصة للنوم وللهو وزيارة الصديقات وممارسة ما تحب! لاشك، أنها ستنعم بحالة نفسية جيدة، وستمتن لله بأن رزقها بزوج فيه صفات جيدة، وكذلك فإن حال زوجك سيختلف حتماً معها وربما سيكن بحال أفضل مما تحدث نفسها به!.
ما الذي تغير إذاً وما الذي يجب عليك فعله:
1 - عودي لذاتك، تخلي عن الشعور الكامن بداخلك القائم على إدعاء المثالية، والفخر، والزهو، وفي المقابل توقع التقدير والثناء والشكر، تخلي عن شعور الاستمتاع الخفي بدورك كزوجة صابرة مظلومة فدائية تقوم بدور فريد من نوعه.
2 - اطردي الموقف الذي أحكم قبضته عليك، وهو موقف تخطئتك لزوجك، فهذه الآلية تبرر لك شعورك المستمر بالظلم والغبن والغيظ ووو... إلخ.
3 - استبدليه بشعور آخر أكثر حرية وأكثر نضج ومسؤولية؛ وهو شعورك بأنك من اخترت أن تخوضي تجربة حياتية تخرجين منها أكثر نضجاً وفهماً لدقائق ما يدور بداخلك.
4 - استبدليه أيضاً بشعور الزوجة التي تقوم بأداء دورها، فهي تؤدي واجباتها تجاه الزوج والأولاد لا تريد من وراء ذلك بتاتاً إلا الأجر والثواب من الله، وهو المصدر الوحيد الذي تتعاملين معه. اعتبري ما تؤدينه هبة أو هدية، والمستفيد منها على أية حال ليس الغريب وإنما هو أنت في المقدمة وأسرتك، لا تفعلي ذلك ولا حتى لأجل فكرة إثارة إعجاب نفسك بنفسك!.
5 - تخلي عن التركيز على زوجك وملاحقته فهو يحس بذلك جيداً: لا تصغي للصوت الذي يلاحقه بالاتهام في حركاته وأقواله وأفعاله، هذا الصوت يسمعه جيداً وهذا أحد أسباب هروبه من ضغط الشعور بملاحقتك له.
6 - بدلاً من محاولاتك اليائسة في تغيير زوجك، ابدئي بتغيير داخلك؛ ركزي على نفسك، كوني أكثر لطفاً مع ذاتك، اقبلي نفسك بشقيها سواء النفس المسؤولة الجادة الصابرة العاملة الـ... إلخ.. وكذلك النفس الرقيقة الحساسة التي تشعر بمظلوميتها لتعطشها للتقدير ولكلمات الحب.
7 - كل ممارسات زوجك اعتبريها منحة تستحق تقديرك فهو أحد أسباب نضجك العاطفي والروحي معاً، هو يريد أن يخبرك بشيء ما، تلقين رسالته بالتفهم والاستحسان.
8 - تفهمي الدوافع وراء ممارسات زوجك، فأنت رافضة له من أعماقك، وشعوره معك بعدم الأمان، وعدم رضاك عن دوره في حياتك، جعله يفضل الهروب منك ويثبت لك صحة كل أفكارك! قدري الجميل من سلوكه واعترفي له بإعجابك بكل جميل فيه أفصحي له عن حبك له وشوقك له، افعلي ذلك في لحظات صدق وليس تمثيلاً وادعاء، فالكذب والزيف يصل، كما أن الصدق والحق يصل.
9 - امنحيه فرصة لبداية حقيقية، بعيدة عن التوقعات من جانبك، ولا تيأسي من منحه الفرص الواحدة تلو الأخرى، شرطها هو التخلي عن الإصرار والتوقع!. يعني بالعامي (كوني من أهل الله).
10 - اختاري من الأدعية الصادقة ما يجمع بين قلبيكما، وينير بصائركما، ادع بقلب راضٍ وشاكر، لا بقلب يائس وساخط.
** **
Hoda.mastour@gmail.com