عروبة المنيف
منذ انطلاقة الرؤية 2030 في شهر إبريل لعام 2016 والتغييرات تخطو متسارعة، لا نستطيع اللحاق بها، فلم يعد باستطاعتنا استيعاب ذلك الحراك الذي يحدث وعلى جميع المستويات، فالإصلاح الاقتصادي الذي تشهده المملكة خلال الثلاث سنوات الماضية وما أعقبة من إصلاحات سياسية وإدارية واجتماعية، نتج عنها تغيرات ثقافية أيضاً، قلبت موازيين كثيرة، وخلّف ذلك الإصلاح، حالة من الصدمة ينبغي أن نفيق منها ونتحرك في إصلاح أحوالنا حتى يتناغم ذلك الإصلاح الذي تسعى إليه الرؤية مع الإصلاح على المستوى الفردي والأسرى والمجتمعي. فالاقتصاد هو محرك التاريخ.
نحن مسرورون وفخورون بذلك الحراك الذي يحدث وعلى جميع المستويات، الذي أدخل البسمة والسعادة على القلوب والوجوه. ذلك التغيير، أشعرنا وجودنا، بقيمتنا، باستحقاقاتنا، لكنه يحدث بوتيرة أسرع من عملية التأقلم والتعايش معه. فقد أحدث حالة من الارتباك لدى شريحة من المجتمع، وفي الغالب هي شريحة ليست بهيّنة.
أذكر هنا على سبيل المثال عملية تغيير النمط العمراني والسكني، أو ثقافة المسكن تحديداً، لتتناغم مع تلك التغييرات والإصلاحات وتواكبها.. فقد كان سائداً منذ عقود، أن من يقرر امتلاك منزل، سيسعى لبناء بيت كبير «فيلا» له ولأسرته، فقد كانت التسهيلات المالية لعملية البناء متاحة وميسرة، وأسعار الخدمات من كهرباء وماء وصيانة رخيصة جداً مقارنة بما هي عليه اليوم.. هذا بالإضافة إلى محدودية الخدمات المتوافرة خارج المنزل في ذلك الوقت، من فعاليات ومرافق ترفيهية ونوادٍ رياضية نسائية وغيرها، وما كان متوافراً آنذاك لم يكن من السهل والمريح ارتياده نتيجة التضييق الذي كان يمارس من قبل المتشددين، ليصبح إنشاء خدمات ترفيهية داخل المنزل من مسابح ونواد رياضية ومجالس واستراحات وأفنية وحدائق من الضروريات، ناهيك عن غرف السائقين ومرافقها وأهمية توافرها بالمنزل في تلك الحقبة.
مع انطلاقة عمليات التصحيح الاقتصادي والتي اشتملت على رفع فواتير الخدمات المقدمة من ماء وكهرباء وبنزين وصيانة ورسوم وأجور خدم، حتى أصبحت كلفة الوحدة المنزلية عالية على من يسكنها مقارنة بدخله، وأصبح المنزل الكبير عبئاً على ساكنيه الذي اعتقد يوماً أنه وسيلة الترفيه الوحيدة.. فقد توافرت اليوم جميع وسائل الترفيه خارج المنزل بدون أيّ قيود، وتم الاستغناء عن السائق ومرافقته، وأصبح الكثير من مرافق البيت تصان بشكل يومي بدون إشغال، وتكلف قاطنيها الكثير بدون جدوى ما يؤثر على ميزانية الأسرة ورفاهية عيشها. فالفواتير لا ترحم!.
مع انخفاض أسعار العقارات وشح الأراضي داخل الأحياء في المدن، أصبح إيجاد خيارات وحلول مبتكرة أمراً ملحاً، سواء من البلديات أو من وزارة الإسكان من أجل التحول من وحدات سكنية كبيرة مكلفة «فلل» إلى وحدات سكنية صغيرة كالفلل الصغيرة أو الشقق مع مرافقها التي تحتاجها الأسر من حضانات وحدائق وغيرها، فالتغيير الذي حدث وبوتيرة سريعة ينبغي الإسراع ومواكبته على المستوى الفردي أيضاً وحساب الهدر الذي يحدث شهرياً نتيجة امتلاك وحدة سكنية مترامية الأطراف، معظمها غير مستغل!.. وعمل خطط مستقبلية للسكن بهدف التدبير، وقد قالها علي -كرم الله وجهه-: «لا مال لمن لا تدبير له».