عبدالوهاب الفايز
هذا السؤال يقفز أمامنا بقوة بعد ظهور (برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية) الذي دشنه سمو ولي العهد الأسبوع الماضي.. هذا البرامج نقلة كبيرة لإدارة التنمية الاقتصادية لكونه يستهدف تنويع مصادر الدخل الوطني، ويجعلنا نستثمر القوة الحقيقية لـ(الجغرافيا الاقتصادية) للمملكة.
مثل هذا البرنامج كنّا نحتاجه قبل ثلاثة عقود لاستثمار (الفرصة الحاضرة) للاقتصاد السعودي، فالموقع الجغرافي الذي يربط ثلاث قارات يقدم فرصة ذهبية لتطوير صناعة النقل، وسمو ولي العهد في أول لقاء له برؤساء التحرير قبل ثلاثة سنوات سمعنا منه رؤية ومشروع بعيد المدى لاستثمار (قوة المكان). وهكذا بدأ مشروع الاستثمار الكبير لأحد مصادر القوة الحقيقية لبلادنا.
البرنامج الجديد، والذي يستهدف تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة عالمية للخدمات اللوجستية، جرى العمل عليه منذ بضعة سنوات، والأمر المفرح أن هذا البرنامج عكف على إعداده القيادات والكفاءات السعودية في وزارة الطاقة وأرامكو ووزارة النقل.. وغيرها، وفِي لقاء مع المهندس خالد الفالح وزير الطاقة قبل شهرين تحدث مطولاً عن تصميم هذا البرنامج وذكر أن سمو ولي العهد يتابع إعداده عن كثب لكونه يأتي كأحد وأهم وأكبر البرامج الثلاثة عشر في (رؤية المملكة 2030)، من حيث تأثيره الإيجابي المتوقّع على الاقتصاد السعودي.
الفريد في هذا البرنامج هو تكامل وتناسق الأداء الحكومي، حيث سوف تعمل في إطار هذا البرنامج أكثر من 30 جهة حكومية بشكل تكاملي لتنفيذ أكثر من 300 مبادرة. وطبقاً للمهندس الفالح (هذه للمرة الأولى في تاريخ المملكة، يصمم برنامج تنموي واحد يهدف لإحداث التكامل بين القطاعات المستهدفة وهي: الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية، بما يمهّد لتطوير صناعات نوعية، ويُعزز زيادة الصادرات غير النفطية، ويُخفِّض الواردات، ويرفع إسهامات قطاعاته المستهدفة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ويعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية).
هذا البرنامج، طبقاً لما ذكره وزير الطاقة، يتوقع في العام 2030م أن يرفع نسبة مساهمة القطاعات الأربعة في الناتج المحلي ليصل إلى 1.2 تريليون ريال، وتحفيز استثمارات بقيمة تفوق 1.7 تريليون ريال، ورفع حجم الصادرات غير النفطية إلى أكثر من تريليون ريال، والأهم الذي ننتظره هو: تنمية سوق العمل عبر استحداث 1.6 مليون وظيفة جديدة.
والآن نعود للسؤال: ماذا تحتاج منظومة هذا البرنامج الضخم من التعليم العام والجامعي لتهيئة فرصة العمل لهذا العدد الكبير المطلوب من العاملين؟..
مليون وستمئة ألف وظيفة التي يتوقع أن يولدها هذا البرنامج أغلبها سيكون في الجوانب الفنية والتقنية، وهذا يتطلب توجه مؤسسات التعليم إلى (الاهتمام بالجانب المهاري) لدى الطلاب من سن مبكرة، ووزارة التعليم بدأت التوسع في تعليم المهارات، فهذا هو المسار الضروري لدمج الطلاب وسرعة تكيفهم مع برامج التدريب التقني والفني. ربما منكم من يقول الآن: هل التوسع في هذا المجال ممكن في ظل الأوضاع القائمة؟
إمكانات وقدرات التدريب التقني والفني ربما نتفق على أنها لن تلبي الاحتياج الكمي والنوعي للموارد البشرية التي تحتاجها القطاعات الأربعة المكونة لبرنامج الصناعة الوطنية. الوفاء باحتياجات هذا البرنامج تتطلب تدابير عاجلة لاستحداث مؤسسات جديدة للتدريب والتأهيل المتوسط. وهنا ربما أعود إلى طرح مقترح سبق طرحه هنا، وهو ضرورة التوسع في إنشاء المعاهد ومراكز التدريب في الشركات الكبرى، مثل أرامكو وسابك وشركة الكهرباء والمياه والتحلية، وأيضاً إلزام خمسين أو أكثر من المجموعات التجارية والصناعية الكبرى، وخلال فترة محددة، بإنشاء معاهد متخصصة لتأهيل الموارد البشرية، على أن يقدم لها قروض حسنة لمساعدتها في التأسيس.. هذا أسرع مسار لإعداد الكوادر والموارد البشرية السعودية حتى نستفيد من ثمار هذا البرنامج الكبير.
هذه القطاعات الأربعة هي الأقل استقطابا للموارد البشرية، فقطاع الصناعة، مع الأسف، إسهامه محدود في سوق العمل، وقطاع النقل عانى من الإهمال فترة طويلة وينتشر فيه التستر.. أما الطاقة والتعدين مشروعاتهما النوعية ذات القيمة المُضافة تقدم فرصاً واعدة للشباب السعودي، ورأينا بواكير مشروعات التعدين في مدينة (وعد الشمال).
هذا البرنامج هو فرصتنا لتجديد حيوية اقتصادنا، إنه (قاطرة الاقتصاد الوطني).