رمضان جريدي العنزي
يريدوننا صخبًا، يردوننا ضجيجًا، يريدوننا رصاصة وصرخة، يريدوننا ألمًا، يردوننا شتاتًا، يريدوننا ظمأ نبحث عن سراب بعيد، يريدوننا حطامًا، وموتًا مغايرًا، يريدون لأرضنا أن تكون بورًا، ولسنابلنا العدم، يريدون لنا اليبس والأسى والرتابة، يريدون أن يعيدونا لأيام الحروب والمجاعة، يريدون لمدننا أن تصبح ثكلى، يتوقف بريقها، وتصبح غارقة في العدم، يريدوننا بعض غيمة، فتات خبز، جمر، حصى، فحم أسود، يريدون أن تكون أقدامنا حافية، وأسمالنا بالية، يريدون لنعيمنا أن يزول، يريدون أن يغتالوا أمننا، ويملؤوا أرواحنا بالمخاوف، يريدون قتلنا مثل عصفور مربوط بخيط، يحسبوننا قططًا وديعة متحفزة للهرب، أو فخارًا مصنوعًا من طين، يريدوننا هياكل لفها حزن المكان، يريدوننا مساحات يابسة لا مكان فيها لغير العزاء، لا يريدوننا أن نكون حقيقة الأشياء، يريدوننا غيابًا أشبه بالوجع، يريدوننا صفحة مسروقة من هامش الزمان، يريدوننا علامة استفهام، فقط علامة استفهام، يريدوننا تجاعيد وندوبًا وحفرًا، لا يريدون لنخلنا تمراً وسعفًا وجذعًا، ولا في آبارنا ماء، يريدون أن تنفرط سبحتنا، ويقصم الهول العظام، يريدون أن يعاقبون بالبتر والتخثر والانسداد، يريدوننا أن نسقط من علو نحو العتمة القصية، يريدون أن يغتالوا أحلامنا، وأن يقلبوا علينا الليل سرمديًّا أبديًّا، يريدون لنا التدحرج نحو الهاوية، ولا يريدون لابتسامتنا الصفاء، حشدوا علينا من الكلام الكثير، ومن فوهات المنابر اللغو المبين، وجاؤوا لنا بالزور والزيف والبهت الكبير، يحسبون أنفسهم فحيح الريح، ونحن طيور، وما عرفوا بأننا إذا دنونا استوينا، وعند المبتغى نروم النجوم، ولنا عادة الارتماء في حضن المعارك، وقهر الخطوب، ونجتاز التوافه، ولنا نزوع كثيف نحو العلا، ولا يروعنا أحاديث الدسائس، وهمس الجبن، ولمز الضعوف، أكفنا ندية، سيقاننا لا تعرف الالتواء، وأرواحنا لا تعرف الخلل، ما ضاقت بنا الحياة، وما ضاق بنا المدى، وفي كل الأشياء لنا المبتدأ، ما أثمرت بذور غيرنا، لكن بذورنا أثمرت، عطرنا مغاير، وزرعنا مغاير، وقمحنا مغاير، وبحرنا الملح الأجاج صار فراتًا، ما تهنا يومًا وما أضعنا الدروب، بينما غيرنا تاه كثيرًا وضاع، نعرف مفرق الريح، وغمغمات الألق، ونعرف الفسيلة الطيبة، والبذر المغشوش، فليعرف الساخطون الماحقون المألبون ربائب الأعداء، يتامى اليورو ومسترزقي الدولار، بأننا سنحفظ حدنا الكبير، وكنزنالمغمور، نفطنا رغيفنا وقرصنا، أهلنا وناسنا، ولن يضيق وطننا بنا، ولن نضيق به، وليعرفوا بأن لدينا أيدي وأذرعة، رصاصًا وبندقية، حبرًا وأقلامًا ومحبرة، ولنا أصوات حق تجوب الفضاء، ولها صدى، سنكون لأعداء الوطن، كوابيس، وعنف دبابيس، سنكون ضجيجًا، سنكون عليهم رصاص وصيحة، سنكون ضجرًا يوقظ عندهم السبات، سنكون سوراً عظيماً من دون الوطن، وسيوفاً مصلتة، سنكون ذئابًا غير الذئاب، يخاف من عوائها المدلسين الصغار منهم والكبار.