فوزية الجار الله
منذ زمن لم أقرأ له، لكنني عدت إلى قراءة أحد كتبه مؤخرًا، ذلكم هو «جبرا إبراهيم جبرا» الكاتب العربي فلسطيني المنشأ، إنسانيّ الهوى، صدر له ما يزيد عن خمس وأربعين كتاباً تضمنت بعض الكتب المترجمة منها هاملت والملك لير، مكبث وعطيل لشكسبير، الصخب والعنف لوليم فوكنر، إضافة إلى سبع روايات من أشهرها: السفينة، البحث عن وليد مسعود، عالم بلا خرائط التي كتبها بالمشاركة مع الكاتب عبدالرحمن منيف.. إضافة إلى أعمال أخرى.
أما الكتاب الذي أعادني إلى قراءة جبرا فهو «البئر الأولى»، وهو عبارة عن فصول من سيرته الذاتية، حيث كتب فيه عن مرحلة الطفولة المبكرة حتى سن التاسعة عشرة التي حالما تجاوزها بأسبوعين أو أقل حتى غادر القدس طلباً للدراسة الجامعية في إنجلترا.. كان جبرا إبراهيم جبرا مسيحياً، ويقال إنه دخل الإسلام بعد ذلك لارتباطه بالزواج من امرأة مسلمة، وتلك حكاية تحتاج إلى وقفة أخرى، ربما لاحقاً..
يذكر جبرا في سيرته الذاتيه أن زلزالاً وقع في فلسطين في عام 1927م، كان وقعه أشد في مدينة نابلس، حيث سقطت من جرائه منازل كثيرة إضافة إلى عدد من الضحايا.. وكذلك في بيت لحم، وقد أصاب الناس الهلع والرعب في ذلك الوقت وراح الأهالي يصلون صباحًا ومساء كل يوم، عسى أن يغفر الله لهم ويرفع عنهم غضبه.. وفي هذه الأثناء جاء إلى بيت لحم البطريرك الياس الثالث من مقره في «ماردين» بتركيا ليتفقد أحوال رعيته، يقول جبرا «زارنا في المدرسة، بكل هيبته ووقاره في ثيابه الكهنوتية السوداء والقرمزية»، ويتابع قائلاً: «وخيل إليَّ في تلك اللحظات وأنا أصغي إلى صوته المخملي الجميل أنني جعلت أدرك أموراً خطيرة، مهما تكن عسيرة على عقلي الطفلي».
يتضمن الكتاب الكثير من المواقف والحكايات حول براءة الطفولة وبداية المعرفة والاكتشاف للكثير من الأبواب المغلقة والأمور المجهولة.. إضافة إلى عشقه للمعرفة وحبه للعلم الذي كان واضحاً منذ بداية تفتح ذهنه على ذلك العالم.. كان من أساتذته في بداية المراهقة إبراهيم طوقان، الشاعر المعروف وقتها.. كما أن أحد زملائه الطلاب يحمل اسم: موسى السعودي..
يقول جبرا (عدت من المدرسة، ورأسي مليء بالأصداء من أبيات قرأها لنا إبراهيم طوقان على طريقته الرائعة من مسرحية أحمد شوقي «مجنون ليلى» عن ليلى والظبي في الفصل الأول منها، كانت المسرحية قد نشرت في العام السابق ووصلت حديثاً إلى القدس وإبراهيم طوقان بشاعريته ورقته وسخريته الطيبة، من دأبه أن يحول ساعة تدريس العربية إلى ساعة من السحر ولا يلتزم بالكتب أو المواد المقررة، وكانت مسرحية أو - رواية - (كما كانوا يسمونها في ذلك الوقت) مجنون ليلى في يده دائماً مع كتب أخرى.