كان للصين سفيراً تلقّى تعليمه في بغداد.. أحب اللغة العربية وأهلها وبذل جهداً مضاعفاً في التقريب بين شعبه والشعوب العربية التي خدم بين ظهرانيها..
اتصل بي ذات يوم ليدعوني للحديث أمام مجلس العلاقات الخارجية في بكين.. أتذكر أنني اتصلت به بعد أيام لأبلغه تلبية الدعوة.. خلال مناقشتنا تفاصيل الدعوة قال السفير إنني أهنئكم على سفيركم النشط الذي استطاع أن يتواصل مع عدد كبير من المسؤولين والمثقفين في وقت قصير...
لم أكن بعد قد التقيت بالمرحوم السفير يحيى الزيد.
لكنني عندما اتصلت به لأبلغه أنني سأزور بكين بعد أيام وأطلب نصحه، وجدت مواطناً يتوقّد حماساً ورغبة في إيصال رسالة بلاده...
في نهاية الاتصال سألته إن كان يسمح لي بإحضار أيّ شيء يرغبه.. ضحك وقال بلهجة لا تخلو من المزاح أن مخزونه من التمر السكري قد انتهى...
اتصلت به من فندقي في بكين لأطلب موعداً للقائه.. فأصر على الحضور بنفسه للفندق... رجوته أن يسمح لي بزيارته في مكتبه وأصر على موقفه.. وقال مازحاً: سأحضر لآخذ منك تمر السكري...
في مساء نفس اليوم كان السفير المواطن يحيى الزيد على أعتاب الفندق وبيده ملف ظننته لأول وهلة يتعلق بعمله.. اتضح فيما بعد أنه يحتوي برنامجاً يشمل تقريباً كل لحظة متاحة في الأيام الأربعة التي نويت قضاءها في بكين.. وللحقيقة فإنني كنت أود أن أتمتع ببعض الوقت بعيداً عن اللقاءات والمحاضرات لكن الرجل القادم من أرامكو والمشبع بقيمها وأسلوب عملها كان يريد شيئاً آخر..
أتذكر بامتنان كيف كنت أصحو على رنين هاتفه وهو يبلغني أن السائق ينتظرني عند باب الفندق..
كانت هذه الزيارة بداية علاقة مديدة تشرفت فيها بمعرفة المواطن السفير العاشق لوطنه... لم يكن المرحوم استثناءً بين سفراء المملكة لكنه كناصر المنقور ومحمد الشبيلي وقبلهم الشيخ عبدالعزيز الزيد رسموا صورة مشرقة ومشرفة لمن عمل معهم أو سار على نهجهم...
منّ الله عليّ بزيارة المرحوم قبل ثلاثة أسابيع تقريباً في منزله بالظهران.. جاءني -رحمه الله- وماكينة التنفس بجانبه وتحدث بشوق ومحبة عن آماله لهذا الوطن ولشركته المحبوبة أرامكو... كان جسمه قد ضعف وآثار المرض بادية على محياه لكن لم يقل إلا القليل عن مرضه.. كل حديثه وكل عواطفه وكل ما في قلبه من ذرة حب كرسها للحديث عن الوطن وعن أرامكو... وعن المستقبل...
لقد أحسنت بلادنا عندما اختارته وهو المشرف على إنشاء أحد أهم مصافي البترول في الصين ليصبح سفيرها هناك... وأعطى -رحمه الله- لهذا الوطن كأفضل وأكمل ما يكون العطاء..
رحم الله الفقيد المواطن يحيى الزيد وأحسن عزاء الابن عبدالكريم ووالدته وإخوته وأخواته... وأرفق صادق العزاء لأخي الغالي المهندس علي الزيد الذي رافق الفقيد في مسيرة حياته وبقي إلى جانبه في أيامه الأخيرة نبلاً ووفاءً وأخوة صافية.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- د. عبدالرحمن السعيد