د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
نحن في أغلبيتنا متفقون على أننا نحتاج لمزيد من الجهد الفعال لتحسين صورتنا الخارجية، فصورتنا الإعلامية الخارجية مهمة جدًا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وهى حاليًا لا تعكس مطلقًا واقعنا كشعب كريم مسالم. وساهمت عوامل كثيرة للأسف في خلق هذه الصورة لا مجال لذكرها، ولكن البذخ في بعض فعالياتنا الخارجية، وتصرفات البعض منا في الخارج على سبيل التظاهر وإظهار النعمة كرس بشكل كبير الصورة النمطية السلبية عنا. ويتساوى مع ذلك الكرم المبالغ فيه لمن يزورنا، ننظر له إيجابًا على أنه إكرام للآخر وينظر له الآخر على أنه استهتار بالمال وتبذير غير مبرر له، وجهل بأهميته لأمور أخرى.
وسبق وكرس الإعلام الغربي على وجه الخصوص هوليود جهودًا ضخمةً منذ الخمسينات ميلادية لتشوية وتنميط صورة العربي بأعمال فنية ضخمة عرضت في كافة أرجاء المعمورة وذلك دعمًا لإنشاء إسرائيل في وسط عالمنا العربي. ونحن في جزيرة العرب أكثر الشعوب العربية تمسكًا بالعادات العربية، والزي العربي التقليدي وأكثرهم تعرضًا لإسقاطات الإعلام الغربي والسينما الأمريكية. هذه الصور السلبية يتم استدعاؤها وإحياؤها باستمرار عبر أعمال فنية توصف أحيانا بالترفيهية البحتة وهي في عمقها صور سينمائية وإعلامية في غاية العنصرية والتشويه، تصرف العرب حيالها وكأنها لا تعنيهم.
أما فيما يتعلق بالمملكة فقد بدأنا اليوم ولله الحمد في تجاوز كثير من الأمور المسببة للصور السلبية وإن كان ذلك متأخرًا لبعض الوقت، ومن ذلك قضايا تتعلق بالمرأة ومنعها من القيادة، أو الانغلاق السياحي، وسوء فهم حجاب المرأة أو نقابها وتضخيمه والمبالغة في إبرازه وربطه بوجود هيئة الأمر والمعروف في الأسواق وكأنما مهمة الهيئة هي فرض النقاب على النساء فقط! وغيرت الإصلاحات الجذرية مؤخرًا من الوضع بشكل كبير، فسمح للمرأة بالقيادة، وتم تطوير هيئة الأمر بالمعروف، وانفتحت المملكة سياحيًا، وترفيهيًا بشكل كبير، وسمح لمن يرغب في زيارة المملكة زيارتها. أي أنه تمت إزالة معظم الأمور التي اعترض عليها الإعلام الخارجي، فهل كان صدى ذلك إيجابيًا؟ نعم، ولا.
نعم لأن الصورة السلبية بدأت تتبدد وتتغير بعض الشيء لدى بعض الأوساط الغربية غير المؤدلجة وغير المسيسة، بينما انتقلت أوساط أخرى بانتقاداتها لأمور أخرى يتعلق بعضها بكيفية معالجتنا لبعض الأمور متناسين الأساس وهو معالجتها. فما حققناه في رأيي لا يتناسب مع الجهود التي بذلت، والإمكانيات التي سخرت له لأسباب من أهمها الاستعجال الملفت للانتباه. فنحن انتقلنا فجأة من حالة انغلاق سياحي إلى انفتاح كثيف أثار الدهشة بقدر الإعجاب والتأييد لدى العالم الخارجي. أي أننا تعاملنا مع القضية بكرم يشبه كرمنا المعتاد مما عزز لدى المتلقي الخارجي فكرة أننا شعب عاطفي. وكان علينا أن نأخذ بالتدرج والحذر والذكاء وأن نواكب ذلك بتوضيح لهذه الأنشطة بشكل مفهوم.
سبب آخر في نظري هو الاعتماد على الجهود الرسمية ومن خلال قنوات رسمية أو شبه الرسمية، والعالم الخارجي وخاصة الغربي له موقف سلبي من كل جهد رسمي أو حكومي حتى ولو كان ذلك في بلاده. وربما لو اكتفينا بدعم مؤسسات ترفيهية وإعلامية غير رسمية بشكل غير مباشر وجعلنا هيئة الترفيه جهة منظمة فقط لكان لذلك قبولاً أكبر. والمملكة تزخر بقدرات فنية ضخمة يمكن استغلالها في تنظيم هذه الجهود دون تدخل رسمي.
ومن الأمور التي تحد من نجاح بعض أنشطتنا عنصر المبالغة، والدعوات المجانية، ففي مفاهيم التسويق ما يأتي مجانًا أو رخيصًا لا يعد جاذبًا. واستضافة فرق عالمية ضخمة، أو أوركسترات سيفمونية عالمية بشكل مكثف في بداية الانفتاح في بلد مثل بلدنا حيث عدد المتذوقين لهذه الأنماط من الموسيقى قليل جدًا في أوساط السعوديين ربما يحتاج إلى الأخذ بمبدأ التدرج، مع العلم أن الإقبال على مثل هذه الأنشطة، وغيرها كالمصارعة، أو السيارات البهلوانية فئوي جدًا في بلدانها الأصلية مما يعني أن الجهود الكبيرة المبذولة في هذا المجال ستكون لفئة قليلة من الناس.
وأخيرًا، ففي اعتقادي أنه يمكننا تطوير أنشطة سياحية محلية كالجنادرية إلى جانب ما تم الإعلان عنه، ونسمح بمشاركة دول خارجية لعرض ثقافتها، نسهّل معه أمور الدخول والمشاركة فيه في احتفال موسمي ضخم يجلب عامة الناس من الدول الصديقة وليس نخبها فقط، ومن المهم بالمقابل مشاركة الدول في فعالياتها الثقافية الخاصة بها بأشخاص عاديين وليس فقط بوفود رسمية. فتفاعل الشعوب معنا يعتمد على إحساسهم بأننا نتعامل معهم بصدق وعفوية. والأهم هو أن ندرك أن تحسن صورتنا الإعلامية خارجيًا سيكون بطيئًا وتدريجيًا، فنتحلى بالصبر ولا نستعجل النتائج.
شكرًا للقيادة الحكيمة على جهودها ودعمها لكل ما يعزز صورتنا الجميلة في الخارج، يمثل هذه الخطوات المتسارعة، التي ترى فيها إشارات من الحزم والعزم لتحقيق الأهداف المرسومة.