عبده الأسمري
بين سلطنة «القلم» وهيمنة «الكتابة» أجاد الدور واستعاد المجد في حقبة كانت أشبه بالخالية فملأ فراغاتها «بروحه» وسد فجواتها ببوحه فكان معجما بشريا ومترجما أدبيا لعب دور «المدير الفني» و»الجوكر» و»القناص» في (آن واحد).. من جيل النبلاء ورعيل الفضلاء.. ومن أعمدة «العطاء الأدبي» وأركان «التعاطي الثقافي».. أنه الأديب والناقد السعودي فايز أبا أحد أبرز البارعين في مجال الثقافة والترجمة والنقد على مستوى الوطن.
بوجه أسمر محفوف بابتسامة بيضاء تعلو محياه الحاضر بالوقار العاطر بالاستقرار مع شعر «أجعد» يتجلى من جوانب «رسمة شماغ» فريدة تعتمر رأسه المكتظ بالفكر وأناقة تستند على محيا مسجوع بالصمت مع نظرات تتوارد من عينان تتحركان بتعاقبية وكأنها تلتقط «الأحاديث» وشارب «عريض» مع كاريزما تتقاطر أدبا وتأدبا وحبا للغير.. وصوت خليط من اللهجة المكاوية المعتقة بمفردات الحجاز ولغة عربية فصحى وعبارات إنجليزية تضفي على حديثه التخصصية قضى أبا من عمره «سنينا» وهو يرصف جسور «الأدب» ويرسم «مشاهد» الترجمة ويؤسس «مناهج» النقد في سيرة ظلت «منبعا» للارتواء ونبعا للاقتداء.
في «دحلة الرشد» ولد فايز أبا وتربى في أحضان «مكة» فتجاذبته «متون» الروحانية أينما ولى وجهه.. فغمر الآذان مسامعه طفلا وغمر الذكر استماعه صغيرا فنشأ مخطوفا إلى تلك الألحان السماوية التي أشبعته باليقين وأسبغته بالحنين.. ركض أبا مطلقا لجسده الأسمر العنان والتجوال بين مقاهي المسفلة وحوانيت الحجون ومنازل الرصيفة متسابقا مع هديل حمام الحرم مراقبا صيحات «الفلاح» في براهين التجارة المكية مرتقبا نداءات الرزق مع خيوط البكور مسجوعا بأهازيج المكيين في مواسم الفرح مشفوعا بروح حانية ارتوت بصفاء زمزم وتعطرت بطهر الحطيم.
نشأ أبا بين والدين كريمين كرسا له «الوقت» وضمنا له «التوقيت» في محافل غمرته بالحنان المنطلق فصادفه بالامتنان المقابل.. وكان على حين «ميول» لتعلم «العزف» والاتجاه نحو «الطرب» إلا أن «مرسوما أبويا» أبعده عن دروب «التوريث الفني» ليرسم لوحته بحروف الانجليزية وريشة الترجمة وخطوط الأدب ماضيا إلى حيث «يعزف» الكبار ألحانهم على ناصية «الخيار» ويكتب الأدباء أمنياتهم على قيود «الهمم «تاركا في كيانه «الروح الحجازية» المشبعة ببشائر «القرآن الكريم» الموفقة بسرائر «النوايا الحسنة».. المفعمة بالأخلاق المتوجه بالفضائل.
شكلت سطوة الفتى الأسمر في مرابع قومه حديث المساء المكي وانتشاء مسامرات المكيين في مركاز حيه.. فكان صمته المهيب في حضرتهم «حكمة مبكرة» وظل صوته الموشح بالحسنى وقع للثبات وتوقيع للتحول.
سيرة تعليمية فاخرة قضاها أبا حيث أتم تعليمه في مدرسة الفلاح بمكة. ثم نال ليسانس اللغة الانجليزية من جامعة الملك عبدالعزيز وعمل مدرسا للغة الإنجليزية بالتعليم العام، ثم معلما بالتعليم الفني بجدة ورأس القسم الثقافي بمجلة اقرأ من عام 1986 وحتى 1989. وعمل بصحيفة عرب نيوز بين عامي 94- 1998 وعمل بصحيفة سعودي جازيت «1998 - 1999».
واختير من ضمن الفريق المؤسس لصحيفة «الوطن» 1999.واستقال منها بعد حوالي عامين.
اهتم بالترجمة والتعريف بالآداب الأجنبية وترجم كتاب الكاتب التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا حول فن الرواية وترجم عددا من القصص السعودية إلى الإنجليزية، وصدر له كتاب مترجم عنوانه التاريخ الكوفي للخزي لبورخيس من بيروت عام 2002م، وكتاب بعنوان «من يعلق الجرس؟» عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي عام 2008م ضم جملة من مقالاته المنشورة في الصحف والمجلات. وقدم العديد من إنتاجات التراجم والبحوث والقراءات والدراسات.
داهمته «جلطة» فراوغها تاركا لها سوءات وقف الكتابة مرغمها على استمرارية القراءة والبحث.. وتمرد عليها رغم ويلات المتاعب.. فظل ولا يزال يوزع هدايا السرور على الجميع مبتلعا «غصة» النكران الرسمي كاتبا عنها «قصة» تحكيها نفسه المغرمة بالكتمان وتحيكها «أنفاسه» المنفوحة بألم «الخذلان».. واضعا من أعماق «فكره» أسئلة تنتظر الإجابة في آفاق «التكريم» الغائب المغيب!!.. باحثا عن «السلوان» في ذاكرة الأوفياء والتلامذة الذين لا يزالون ينتظرون تصحيح أوراقهم واعتماد نتائجها بقلمه «الأخضر» وتوقيعه «الأنضر».
فايز أبا الطائر «الحر» الذي غرد خارج أقفاص الاعتياد وزائر الليل الذي علق الجرس وأيقظ «منامات الثقافة» وزامر الحي الذي أطرب الأزمنة بلحن «الابتكار» وبلبل العفوية الذي نال بطولته بشهادة «العصامية» ورغما عن الابتعاد والتباعد بين إنتاجه وتقديره فقد فاز بمحبة «القلوب» وأوسمة «النتائج» ونياشين «الوقائع» ليكون وجها للمثقف المناضل والأديب المفضل في ذائقة «التنافس».