عبد الله باخشوين
بعد فترة وجيزة من نجاح عمليات (بياض الثلج) التي شملت الرجال والنساء.. وجعلت أسنان عباد الله تبدو أشد (بياضًا) من الأسنان الطبيعية.. ظهرت (كشحات) مفاجئة وغريبة لابتسامات فارهة حتى على تلك الوجوه الجهمة المكفهرة التي لا تطيق الابتسام.. الذي يجعل (عضلات) وجوهها تبذل جهداً لا طاقة لها به -والعياذ بالله- وتفضل أن تبقى متجهمة كأنها غارقة في تفكير عميق.
ابتسامات دلقة وغريبة وبدون مناسبة ولا هدف من ورائها سوى إظهار (بياض الثلج) على أسنان تم تعديل ما فيها من (التواءات) أو تسوس.. أو سواد آثار الإفراط في التدخين (كأسناني مثلاً).. و(نورت) في الوجوه دون سبب أو منابة أو معنى.. أغرب ما في هذه (الظاهرة) انتشارها بين (السود) من عباد الله بطريقة تتناقض مع طبيعة (الكلر) الذي اختص به الله ألوانهم.. وهو أمر ما زلت أذكر أن أبي عندما يغضب مني يقول بحنق: (امشي من قدامي.. يا سويد الوجه.. طالع أسود لأمك).. فأضحك.. وأحاول استرضاءه قائلا: (أما لو طلعت بلونك.. وشرطت خدودي.. كان حطتني أنا وانته في مشكلة عويصة.. بس الحمد لله.. ربي ستر)؟! وأجبره على الضحك.
وطبعا -ودون أي اتهام بالعنصرية- كانت تلك الظاهرة التي انتشرت -زمان- بتركيب (السنون الذهب) وكشحتها المضئية على الوجوه الداكنة.. أخف وطأة من أنك تركب في فمك (لمبة فلورسنت).. وهي ظاهرة انتشرت بين الفنانين السود في أميركا مما جعل (هوليود) تهب في مواجهتها.. وتجبر كل الفنانين والفنانات على التخلص من آثارها والعودة للوضع الطبيعي لأسنانهم وهددت بمقاطعة من يستخدمها وذلك لأسباب (فنية) لا علاقة لها بأي شيء آخر.
فقد لاحظ فنيو الإضاءة والتصوير.. حدوث خلل رهيب في (الصورة).. انعكس بشكل سلبي.. ونتج عنه خلل فني كبير على مجمل الصورة وبطريقة لا يمكن معالجتها إلابإزالة (بياض الثلج) ذلك أن المشاهد لأي حوار (سينمائي) يفقد قدرته على مشاهدة مجمل الصورة يفقد القدرة على قراءة انفعالات أي وجه لأن عينيه تستقران -فقط- على الأسنان بفعل الجاذبية (الخاصة) التي يفرضها البياض الشديد ويجعل المشاهد ينسحب من مجمل الصورة وتستقر عيناه على (الفم) أو (الماوث) ويخرج في نهاية الفلم أو المشهد وهو لم ير سوى (خشوم).
هذا ذكرني بما في الشعر العربي من جماليات في وصف العيون ذلك أن معظم النساء في مختلف العصور كن يضعن (لثاماً) وتبرز مما تبقى من زينة المرأة عيناها.. وحتى الآن وبعض أفلام هوليود نجد أن المرأة حين يداهمها ضحك مباغت تضع يدها على فمها بطريقة عفوية لا شعورية باستثناء الممثلة (جوليا روبرتس) التي تفغر فمها لأقصى مدى رغم أنه (أبشع) ما في وجهها.. وربما كان لون عنترة بن شداد هو الذي جعله يتوقف عند بياض الأسنان ويقول:
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق سنك المتبسم
وروايات أخرى (ثغرك المتبسم)
ويقول:
سمت فلاح ضياء لؤلؤ ثغرها
فيه لداء العاشقين شفاء
وهناك شاعر شعبي سوداني يقول:
ضاوي سنك لبريقو راسل
لاح بين عنابين عواسل
وطبعا هناك وصف هو الأجمل يشبه الأسنان بـ(البرد) لكني نسيت البيت ونسيت اسم الشاعر.