عمر إبراهيم الرشيد
السكون يعم المكان، والنسمات العليلة تعزف لحناً غامضاً، والأفق واسع على امتداد البصر كما أن الأرض على طبيعتها بأعشابها الغضة وطلحها العتيق. كيف هو شعور من هرب من صخب المدينة وتلوثها وتوترها لاجئاً إلى هذا الريف، ملتمساً منه هدوء النفس والبدن على السواء. ولعل إستراتيجية تنمية الريف التي أقرتها الحكومة السعودية قد مرت على البعض دون تمعن بأهميتها وتأثيرها طويل المدى، إنما لا يخفى على كل مطّلع بأن الطفرة الأولى وما تبعها من ثانية وثالثة إلى الدورة التنموية الحالية، كان تركيزها على المدن والرئيسية منها تحديداً، بينما القرى والأرياف حصلت على شيء من التعمير وخدمات التعليم، لكن لم تحصل على تنمية مستدامة وهي استغلال مواردها المتاحة لخدمة سكانها ومنفعتهم اقتصادياً واجتماعياً. إضافة إلى غياب هذه الاستراتيجية، فإن التناقص المطرد في الموارد المائية خلال العقود الماضية أدى إلى هجرة سكان الأرياف، والتصحر وتناقص مساحات المراعي أدى كذلك إلى هجرة أهل البادية إلى المدن بحثاً عن فرص عيش أفضل. ولذلك أتت هذه الإستراتيجية لتعيد التوازن الحضري إلى الريف والقرى وهو ما سوف يعيد نسبة لا بأس بها من سكانها إليها، كما وسوف يشجع أهل البادية للاستقرار فيها بدل المدن لقربها من الصحراء والبراري.
الأمر الجدير بالتذكير أنه حتى الكثير من أهل المدن الميسورين وأصحاب الطبقة الوسطى يستثمرون في الريف والقرى القريبة من مدنهم، وأقصد بالاستثمار شراء العقار بقصد الانتفاع الشخصي المتمثل في الاستراحات والمنازل الريفية، سواء المتقاعدين أو حتى الشباب وأسرهم. وهذا حنين طبيعي بل هو وعي اجتماعي لأن الأرياف والقرى تعيد الناس إلى طبيعتهم وتغسل عن نفوسهم ما علق بها من تلوث، فما أجمل العودة إلى الريف!