سام الغُباري
- اتصل الإرهابي «أبوعلي الحاكم» بشيخ موالٍ للرئيس السابق علي عبدالله صالح وهدّده قائلاً: جرّب حظك معنا!، ثم أنهى الاتصال، بعد ساعات طار الشيخ القبلي إلى الحديدة وأغلق هاتفه خائفًا من تهمة تحُز رأسه وتُنكل بأنجاله وتُفجّر منزله وتحصيه «خائنًا» في قائمة تتوسع بإطراد في زمن العنف العنصري الحوثي. غادر الشيخ قبيلته التي بحثت عن مصلحتها دونه، مصلحة «عدم الاشتباك» مع مجانين سُلاليين يملكون قوة بطش عاتية لا تريد إظهار لحظة ضعف واحدة، ولهذا يتَحَدّون كل يمني في مناطق سيطرتهم قائلين: ما عساكم تفعلون؟
البقاء لهم فقط، لا رأي آخر ولا حرف يُشوّش مسيرة المتعلقين بمحاريبهم، يُعِدون ملحمة حرب دامية بتعبئة ملايين المتشيعين المُطرِقين بالحزن، الراغبين للثأر والضاغطين على زناد البندقية. في سوريا يستعر الغضب على السُنّة والخليج، وفي العراق تتوجه الأصابع باتجاه البوصلة جنوبًا، وفي لبنان سخرية حمقاء بسعد الحريري ونشيد رحباني لـ»قنّدلة» حسن نصر الله ونسبته ادعاءً وكذبًا إلى النبي الكريم صلوات الله عليه!، جنون أعمى يتعلق بالعرقيات ويُسلّحها لإعادة تدوير معارك الماضي!، وفي أجزاء يمن حائر يُمرغ الحوثيون أنف الأمم المتحدة ويقتلون رجال الجيش اليمني فيعتري السفراء الراعين للعملية السياسية مزيدًا من القلق لحظة كتابة بيان أو تغريدة تتجاوز الدم وتدعو للصفح والتساهل، ثم ينصرفون لشؤونهم ولا يحفلون بعيني امرأة من تهامة فقدت بصرها في مواجهة قنبلة نزلت عليها من السماء وقذفتها أمتارًا إلى الفراغ وأطاحت بها عرض شجرة نخيل جافة الملامح، عزيزة الثمر والتمر.
البقاء للعنف، تلك خُلاصة نظرية سُلالية!، مؤمنة بطرد الرحمة والسلام والعدل والصدق من قواميسها ونواميسها وأعرافها الحائرة، تتقمص دور مخلوقات الغابة بعقل الإنسان وغرور لحظته وحاجته للثروة والسلطة، أشياءٌ يُدركها الحوثي في تكوينه البشري، المنخلع بفؤاده إلى الهوى الآثم، غارقًا في دم أبناء جنسه، باحثًا عن جنسية تُوحِدُه مع سُلالي آخر في جغرافيا أخرى تُجيب عن علامة استفهام خطيرة باتت مقرونة بعرقية الدم والنسب والمذهب الذي تنضج أمنياته على تَنّور ممتلئ بجماجم الأبرياء.
في لحظة كتلك، يجد الحوثيون ضالتهم في تحريك قصص من الإغواء الممنهح يُذهِبون بها عقل خصومهم بالوشايات والتصنيفات والاتهامات المتبادلة فيما نحن بحاجة إلى القوة لمواجهة العنف، ونحن نملكها الآن بعد مرور أربع سنوات على إسقاط العاصمة صنعاء، فلماذا لا نحسم أمرنا؟، يدور الجدل حول الجميع ويدورون حوله، ولم يشعر أحدٌ بحاجته إلى القيء من تلك الممانعات الدولية والإقليمية لـ»فتح صنعاء» وعودة المهاجرين إلى ديارهم التي أُخرِجوا منها بغير حق!.
لا يبدو أن أحدًا أيضًا يشعر بالاضطراب سوانا، نحن اليمانيون المعلقون إلى أرحامنا وعوائلنا وأصدقائنا الذين تركناهم هناك، محاصرين بالجوع والرعب، ووثبنا إلى الفجر نمتطي صهوات أحلامنا بعودة يرتفع فيها الرأس العنيد وقد عادت بنا الحرية وجاء المستقبل إلينا مُشرِعًا أبوابه، وعلى كل باب شرائط بنفسجية وزهرية تتدلى وتتداخل في بعضها مُحدِثة ضوضاء مفرحة، وصوت مبهج يتلو علينا قصائد «البردوني» كأنها تسبيحة أمل وغفران صلوات لا يسمعها سوى اليمنيين الطيبين، المتعبين من رحلة العبور الدامي إلى مستقبلهم، يوم أرادوا البقاء معًا كنسيج واحد، فناجزهم بالسيف والخديعة مجتمع آخر خرج من أجداث القبور فجأة ليحاكمهم على دماء معركة «صفين»، كان اليمنيون يسخرون من خوار أولئك وملازمهم، ثم، أخيرًا أدركوا أنها معركة لم تنم، لم تنتهِ، صراع بين المستقبل والماضي، حتمية فيزيائية ينتصر فيها الإنسان الحي على الميت. واليمنيون يولدون كل يوم، والميتون لن يعودوا إلى قبورهم مرة أخرى، بل يتلاشون، يختفون، يتضاءلون، يحترقون، تقرهم إرادة الضوء والخير والقوة، وتجلدهم سياط العقاب الأبدي.
البقاء لبلادي.