رمضان جريدي العنزي
ابتلينا في الآونة الأخيرة بمقاطع فيديو انتشرت بين الناس بشكل ملفت، يصنف فيها أصحابها المواطنين على هواهم، يرتقون ببعضهم، ويطوحون بعضهم الآخر، يمنحونهم شهادات المواطنة على هواهم، يعطونهم الجنسية على هواهم، ويأمرون بسحبها على هواهم، بعبارات خارجة عن نطاق الأدب والأخلاق والمعقول، متجاوزون حدود العقل والمنطق والتشريعات والتنظيمات والقوانين الحكومية، جاعلين من أنفسهم وطنيين أقحاح لا يباريهم ولا يجاريهم أحد، يحسبون أنفسهم كذلك، متناسين في الوقت ذاته، منبعهم منبتهم وموردهم الحقيقي، يغالطون في النص، ويتحايلون على الحقيقة، يحيون النعرات، وينادون عليها، يحسبون أنفسهم خطباء متفوهين، وهم الغارقون إلى شحوم أذانهم بالنرجسية العالية، والعنصرية البغيضة، يدعون الوطنية، والتفاعل مع قضاياها المختلفة، وهم في الحقيقة لا يعنون سوى ذواتهم ومصالحهم الشخصية، ينشطون في إشعال فتيل الطبقية والعنصرية والمناطقية ويهتفون عليها من غير إدراك ولا وعي وفق تنظيرات باهتة وكلام مبهم، وكأنهم متحدثون رسميون يملكون الخيط والمخيط، والسنارة والآلة، متلونون كأنهم الحرباوات ومتذبذبين بلا هوادة، يزدرون الناس حتى وأن كانوا مبدعين ومنتجين ومثقفين ويملكون الحلم والوعي والحكمة والشهادات العليا، وهم الذين لا يقوون على تركيب خمس جمل مفيدة، ولا يعرفون خبرها والمبتدأ، يبخسون الناس أشياؤهم، ويحاولون تجريدهم من وطنيتهم المزدانة بالقول والعمل والإخلاص والتفاني، حطموا الأرقام القياسية في الفشل والطرح وسوء التدبير، ومع ذلك يزعمون الوطنية، وأنها لهم فقط وليست لغيرهم، لا يتورعون عن الهمز واللمز والنميمة، والولوغ في الأعراض، والتدخل في الخصوصيات، لا يروق لهم شيء، ويحسبون أنفسهم كل شيء، لا يعرفون الدعوة للإخاء والاتحاد والتلاحم، بقدر ما يعرفون دعوات النفور والفرقة والتباعد، «عثث» تنخر في الأس لتهدم البناء، إن الطرح والبث اللامسؤول الذي يقوم به هؤلاء أخطر من البراكين والزلازل والمحن، إن على المعنيين الوقوف بوجوه هؤلاء بكل قوة وصلابة واقتدار، ومنعهم من الطرح الأعمى والبث المسيء، حفاظاً على فسيفساء الوحدة الوطنية والاتحاد والتلاحم والانتماء، وحماية للناس من شرور هؤلاء الجهلة الذين لا يبتغون وجه الوطنية الحقة، بقدر ما يبتغون المصلحة والشهرة والظهور المزيف، إن البارود والرصاص ليسا القاتلين الوحيدين فقط، فالإشاعات الكاذبة، والفديوهاتالمسيئة، والتصنيفات المسمومة، هي الأسلحة الأكثر فتكاً، والأشد ضرراَ، والأوقع فعلاً، في الأخير لا أحد يدعي الوطنية والإخلاص وهو يمارس بتلذذ ويستخدم بغباء وسائل التواصل الاجتماعي للإضرار بالوطن والمجتمع وفق أعمال محمومة بالشر المستطير، فلا شيء أبشع من الإضرار بالوطن، والنخر في وحدته وبنيانه المتين.