عبد الرحمن بن محمد السدحان
غَشَتْني مؤخَّرًا موجةٌ من العصف الذهني والنفسي معًا تزامنًا مع حِرَاك التجهيز لمشروع كتاب جديد لم يرَ النور بعد، وتمحور العصف حول هذا السؤال:
* لِمَ العناءُ ولم الجهدُ من نشر كتاب كهذا؟! يضم (مختاراتٍ) مما سبق نشرُه من لدن هذا الكاتب أو سواه! وأشير في هذا الصدد إلى أن موضوع إعادة النشر تسلّلت مؤخرًا إلى أعمدة بعض الصحف المحلية بين مؤيدٍ لها وناقد.
***
* وقد تولّيت التعامل مع هذا السؤال القاسي، فجاء الردُّ من أعماق النفس كالتالي:
إنّ فكرةَ انتخاب مختاراتٍ من أحاديث سبق نشرها مستقلةً ثم إخراجها في كتاب لن تكونَ بأيِّ حال بِنْتَ لحظتها ولا سابقة أوانها، بل لها مثيلات سابقات، إذ نشر هذا الكاتب أكثر من كتاب يضم مقالاتٍ مختارة تمّ انتخابها من بين منظومة أحاديث سابقة، لاعتبارات ومعاييرَ قُدِّرت تقديرًا. وكانت النتيجة لذلك الحراك مفرحةً لي ولم ينكرها أو يتنكر لها أحد من المتابعين رغم وجود قدر من (التحفّظ) لدى بعض متذوقي الحرف الجميل، خلاصته إن كتابًا يضم عددًا من المقالات المنتخبة قد لا يضيفُ إلى معرفة قارئها أو ثقافته جديدًا، خاصة لدى من قرأها بادئ الأمر! وهذا القول في عمومه صائب، لكن الاستثناء منه وارد إذا توفَّر ما يشْفعُ لإعادة نشره، مع ما قد يقتضيه الظرف من إضافة أو حذف أو تعديل!
***
* ويمضي المتحفظُ متسائلاً: إذا سلّمنا بصحة هذا الطرح، فلِمَ العناءُ إذًا ولِمَ الجهدُ في إعادة نشر نص سبق نشره؟!
* هنا، أذِنْتُ لنفسي بالرد على ذلك التحفظ رغم وجاهته فقلت:
أولاً: إن فكرة نشر نصوص سبق نشرُها من قبل ليست جديدة في بلادنا أو خارجها. فقد سلك هذا النهج بعض عمالقة الفكر في وطننا العربي وربما في سواه ويبقى الحكم بعد ذلك على التجربة سلبًا أو إيجابًا رهنًا لدى القارئ الكريم، انطلاقًا من جَوْدة النصّ أو عدمه، وما قد يضيفه إلى حصاد القارئ من ثراء فكريّ أو معرفي. وما عدا ذلك، فهو لا يستحق إنشَاءً ولا نَشْرًا!
***
ثانيًا: رغم التحفظ لدى البعض على الفكرة من حيث المبدأ، وهو أمر أجلّه وإنْ لم أاتفقْ مع قائله، إلاّ إن لها إيجابياتٍ لا أخالها تغيب عن الذهن الحصيف تقديرًا لجَودة النص، ومدى احتفاظه بوجبة غنية بـ(سعرات) الفكر تغري بالاطلاع عليه في وقت لاحق، خاصة من لدن قارئ لم يطلع على النصِّ أصلاً بادئ الأمر. هنا، يجدُ المرءُ ما يشْفع لإعادة النشر، ليقرأه من شاء، أو يعيد قراءته من شاء!
***
ثالثًا: إن إعادة نشر نصوص سابقة داخل دفّتي كتاب يخدم الثقافة بمفهومها الواسع، ويمنحها قدرًا من البقاء والانتشار فترةً أطول من الزمن، لأن النصَّ المنشور في صحيفة سيارة قد تدركه عوامل (التعرية) من بعد زوال شمس ذلك اليوم الذي نُشر فيه، مثلما هو الحال في مواد نشر أخرى ويشترط لانتهاج هذا السبيل أن يحويَ النصُّ زادًا من الفكر ذا نفع يشفع لقراءته. ومن ثَمّ، ما الذي يحول دون (تدوين) (بعض) هذه النصوص في كتب تمنح النصَّ ديْمومةَ النفع والبقاء؟!