يعتقد الكثيرون أن الفيلسوف ما هو إلا ذلك الشخص الذي يقضي يومه متأملاً في السماء مستصحباً عصاه الغليظة ويعيش في كوخ من القش انتظاراً لقدوم طلاب الحكمة وأرباب الصنعة، ولكن هذا الاعتقاد فيه إجحاف كبير بدور الفيلسوف والفلسفة في حياة الناس ومجتمعاتهم، ولو قلبنا صفحات التاريخ الماضية لوجدنا أن كثيراً من الشعوب خاصة الأوروبية لم تنهض من سباتها الطويل ولم تعتلِ سُلَم الحضارة إلا بعد قيام الفلاسفة بدورهم الكبير، فهم لم يزالوا يحركوا الشعوب نحو التحرر الفكري والانطلاق إلى فضاء المعرفة عند طريق رسائلهم المتنوعة وكتبهم المتعددة التي لربما فاقت تلك الكتب شهرة المؤلف، ولعلنا نعطي مثالاً على ذلك.. فمثلاً الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو الذي يعتبره الكثيرون أحد أهم الفلاسفة في العصر الحديث قد دعا في كتابه (العقد الاجتماعي) إلى المساواة بين الطبقات وأيضاً الدعوة إلى تحرر الشعب من تعاليم الكنيسة التي تمنع الناس من الاجتهاد في العلوم التجريبية وإبداء آرائهم فيها، واستخدمت في ذلك أشد أنواع القمع والتعذيب، ومن المعلوم أن الفيلسوف روسو تعرض لمضايقات كثيرة بعد أرائه تلك, مما دعاه إلى الخروج من فرنسا والتنقل في عدد من الدول التي تدين بالمذهب البروتستانتي الأقل تعصباً كسويسرا وبروسيا (ألمانيا حالياً) ولكنه أيضاً لم يسلم من التعدي والملاحقة فخرج شريداً يبحث عن من يؤمن بفكرته، ومن المعلوم أن روسو كان أحد منظري الثورة الفرنسية التي أثرت أحداثها على الشعوب الأوروبية والعالم بأسره، وكان شعار هذه الثورة (إخاء، حرية، مساواة)، فتغير الشعب الفرنسي الذي كان أقصى ما يطلبه هو إيجاد كسرة الخبز.. وتغيرت باريس كثيراً، فأصبحت تسمى عاصمة النور كما هو معلوم، وامتلكت فرنسا في تلك الحقبة أقوى جيوش العالم البرية ولم يوقفها عن تمددها الاستعماري في أوروبا إلا معركة واترلو عام 1815 التي حدَّت من التقدم الفرنسي، وقد كانت الفلسفة إلى ما قبل القرن الخامس عشر الميلادي (عصر النهضة) الوسيلة الوحيدة لدراسة العلوم التجريبية، إلى أن جاء الفيلسوف الإنجليزي الشهير فرنسيس بيكون الذي يعتبر أول أوروبي وضع المنهج التجريبي القائم على أن الشك بداية اليقين، وأن أساس الحكم على الشيء هو التجريب والاستقراء، لا المشاهدة والنظريات، ولكن من المعلوم تاريخياً أن المسلمين كانوا أسبق إلى الأخذ بذلك المنهج وتحديداً العالم الكيميائي المسلجابر بن حيان، وقد كان للمسلمين دور في ترقية الفكر البشري من خلال علماء أفذاذ ترجم الأوروبيون كتبهم واستفادوا منها، مثل: الفارابي الملقب (المعلم الثاني) بعد أرسطو (المعلم الأول) وابن رشد الملقب (الفقيه الفيلسوف) وابن سينا الملقب (الشيخ الرئيس).