محمد سليمان العنقري
بعد اعتماد الرؤية الاستراتيجية للمملكة قبل نحو ثلاثة أعوام بدأت عملية إطلاق البرامج التي سيتحقق من خلالها أهدافها الرامية لتوليد ملايين فرص العمل بهدف خفض البطالة إلى 7 %، وكذلك مضاعفة حجم الناتج المحلي عبر تنشيط وتأسيس العديد من القطاعات الاقتصادية، وزيادة الصادرات غير النفطية، وتحسين مستوى الخدمات وجودتها ببرامج عديدة، أهمها الخصخصة، إضافة إلى زيادة المحتوى المحلي؛ فالمملكة تستورد سنويًّا سلعًا بما يفوق 500 مليار ريال، وهذه كلها تمثل فرص استثمار واعدة على الأقل في 50 في المئة منها.
ومع كل هذا الزخم الكبير الذي يتم دعم الاقتصاد المحلي به فإن السؤال يبرز: أين تكمن أهم القنوات الرئيسية للاستثمار، وخصوصًا أن من بين أهداف الرؤية المعلنة زيادة نسبة الادخار للأسر الذي هو أساس الاستثمار إلى 10 % من نحو 5 % حاليًا؛ إذ لا بد من توجيه النقد المدخر نحو قنوات استثمارية، تنعكس على مستوى دخل وثروات المجتمع بالإيجاب. ورغم أن برامج تملك السكن تعد من القنوات الادخارية والاستثمارية المهمة إلا أن سوق المال تبقى هي القناة التي سيعول عليها كثيرًا بتحقيق برامج الرؤية ونمو الناتج المحلي المستهدف حتى عام 2030م؛ فقبل أيام أُعلن برنامج تطوير الصناعات الوطنية الذي سيضيف استثمارات بنحو 1.7 تريليون ريال، ويولد 1.6 مليون وظيفة كتقديرات في حال تنفيذ كل مراحله التي بدأت فعليًّا بالمرحلة الأولى بتوقيع اتفاقيات بنحو 200 مليار ريال؛ فمثل هذا البرنامج الذي سينفذ على مدى 12 عامًا سيرفع من حجم الطلب المحلي على السلع والخدمات، وكذلك التمويل. وهنا تظهر أهمية سوق المال التي تضم شركات تعمل بقطاعات، ستستفيد من هذا الطلب الكبير، سواء مواد البناء أو الخدمات بمختلف أنواعها من تأمين وتكنولوجيا الاتصالات أو قطاعات التجزئة والرعاية الصحية، وكذلك العقار، وطبعًا القطاع المالي.
وبذلك ستلعب السوق المالية أدوارًا عديدة، سواء بتمويل الشركات عبر طرق عدة من خلال طرح الصكوك، أو رفع رؤوس الأموال أو الاكتتابات الجديدة، كما ستمثل قناة مهمة للاستثمار للأفراد والأسر، وستكون أيضًا قناة مهمة لجذب الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد المحلي. وما الهيكلة وتطوير التشريعات بالسوق المالية والانضمام لمؤشرات الأسواق الناشئة الأشهر عالميًّا، مثل مورجان ستانلي وفوتسي، إلا دليل على التوجُّه الرسمي لأن تكون السوق المالية أكثر تطورًا، والاستثمار المؤسسي هو المؤثر الرئيسي في نشاطها؛ ليكون أكثر استقرارًا، وتتقلص التذبذبات الحادة فيه، وتتطور معايير التقييم والاستثمار بالسوق.. فكل ما يتم حاليًا من تحديث وتطوير بالسوق، وآخرها إطلاق مؤشر من تداول ومورجان ستانلي باسم «إم إس سي آي تداول 30»؛ ليقيس أداء كبرى الشركات بهدف تحقيق زيادة في شفافية حركة السوق، وتهيئتها لتكون أكثر جاذبية للاستثمار والمنتجات التي ستضاف لها مستقبلاً من المشتقات المالية.
سوق المال ركيزة رئيسية في تحقيق أهداف عدة بالاقتصاد المحلي، ركزت عليها رؤية 2030، سواء الادخار أو جذب الاستثمارات. وما اتجاه العديد من البنوك المحلية للاندماج أو رفع رؤوس أموالها إلا دليل على الحاجة لكيانات مالية ضخمة، تواكب احتياجات نمو الاقتصاد، وتلبي الطلب المرتفع على التمويل مستقبلاً من قطاع الأعمال أو الأفراد؛ وهو ما يعد مؤشرًا إرشاديًّا على توجهات الاقتصاد والاستثمار فيه، الذي سيتعزز بزيادة الطلب والمحتوى المحلي الذي سينعكس على القطاعات كافة بالاقتصاد، وكثير منها ممثل بالسوق المالية حاليًا.