خالد بن عبدالكريم الجاسر
كثير من الاقتصاديات الإقليمية تُعانى من عدم استقرار واضطرابات لا حصر لها، حتى المُستقر منها أمنيًا وسياسيًا يُعانى من أزمات وإشكاليات طاردة للاستثمار على غرار ما يحدث في فرنسا وستراتها الصفراء التي طالت دول الجوار، وتركيا وصراعاتها الإقليمية المتعددة وقطر بتنظيمها الإيراني الغاشم وغيرهم.. ستظل مُصدرة لرؤوس الأموال أكثر منها جاذبة للاستثمارات العالمية. ولكن، كيف نتجاوز تلك المرحلة من إنجاز الحماية من هذه الأزمات الإقليمية والدولية إلى مرحلة قنص الفُرص القادمة التي تفرزها هذه الأزمات؟
يحتاج الاقتصاديون إلى استخدام تعاريف في بعض الأحيان، كي يروا نطاق مشكلة ما ويجدوا سُبلاً لرفع القيود المُكبلةِ للنجاح. بعكس ما قاله أوسكار وايلد: «التعريف تقييد». فإذا كانت هذه التداعيات بآثار السلبية الذي مَكَنَنا اقتصادنا القوي من تفاديها بفضل رؤية طموحة خاصة على مستوى المؤشرات الكلية، جعلتنا نُزيح روسيا ونُصبح خامس أكبر دولة بمؤشر سندات جي بي مورجان، غير أن لها فوائد أخرى من حيث إنتاجها لكثير من الفرص الاستثمارية التي لا يمكن الاستهانة بها، خاصة مع ما تتمتع به المملكة الآن من مزايا يَندرُ توافرها في الاقتصاديات المماثلة في ظل تلك الظروف الراهنة، أبرزها إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية كأحد برامج رؤيتنا 2030، ويهدف لتحويل المملكة إلى منصة صناعية ولوجستية عالمية لربط قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، بالتركيز على أربعة قطاعات حيوية هي: (الصناعة، والتعدين، والطاقة، والخدمات اللوجستية)، عبر 330 مبادرة ستُحقق أكثر من ثلث مستهدفات رؤيتنا الحالمة من خلال غرفة الصفقات التي تفوق قيمتها 70 مليار ريال وهذه الدفعة الأولى من الاستثمارات، واستقطاب تريليون و600 مليار ريال من الاستثمارات، لنرى في نطاق الخدمات اللوجستية نحو 60 مبادرة يستهدفها البرنامج باستثمارات تبلغ نحو 35 مليار ريال، من ضمنها بناء خمسة مطارات جديدة والوصول إلى 9200 كلم من الخطوط الحديدية في عام 2030. لما لصناعة الصلب من دور مهم في دعم الاقتصادات المحلية، ومسايرة التحولات التي تحدث في العالم بما يُسمى «الصناعة 4.0»، وهو الاتجاه إلى الاستخدام الكثيف للتكنولوجيا في عمليات التصنيع وتفعيل «إنترنت الأشياء» و»الحوسبة السحابية» للتحول إلى ما يسمى «المصنع الذكي». ولعل مشاركة القطاع الخاص داخل المملكة وخارجها، له النصيب الأكبر كشريك رئيس للحكومة في قيادة وتنفيذ هذا البرنامج.
كل ذلك وغيره يجعلنا حجر الزاوية في الحراك الاقتصادي العالمي موجهين بوصلتنا نحو جذب المزيد من الاستثمارات عبر طاقتنا الكامنة وهي الموارد البشرية مع التنوع السكاني والديموغرافي الضخم كقوة شرائية لا يُستهان بها، يجعل من سوقه سوقًا كبيرًا يُثير لُعاب أي مُستثمر، فتحت الدولة له الأبواب بقوانينها الأخيرة التي عالجت كثيرًا من التشوهات الهيكلية في الاقتصاد السعودي والموازنة العامة للدولة وتراجع معدلات التضخم وتنقية وتعديل الكثير من القوانين والقرارات المعوقة للاستثمار والأعمال...التي شجعتها الحكومة الرشيدة بزيادة ديناميكية الأسواق عن طريق تعزيز المُنافسة وريادة الأعمال التي تفتح آفاقًا وظيفية لأولادنا وبناتنا.
وقفة: فلا وقت نضيعه إِذ نرى جميعًا أن الشوط لا يزال طويلاً نحو هذا الهدف. لكن هناك مسارًا مؤديًا إليه وهو أن رؤيتنا تتحقق بجذب الاستثمار وقنص الفرص.