«الجزيرة» - المحليات:
بادر مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات إلى استكشاف ما يزخر به التاريخ من قصص واقعية للسلام واحترام الآخر؛ بحث عنها أتباع الأديان في ظروف الشدة والرخاء؛ لتكون شهادة عصر على ما تحتضنه الأديان والثقافات من تعاليم دينية تؤكد التسامح والتعايش والسلام، ومن خلال مسيرة الحوار بين الأديان والثقافات؛ وتسليط الأضواء على عالمنا، الذي يضم مبادرات وأفكارًا غير مسبوقة؛ لغرس الخير وإفشاء السلام وترسيخ الاحترام والتعايش.
من هنا جاء تحالف المركز العالمي للحوار مع مؤسسة الإنتاج الموحد ومع الجمعية الرسالية الملكية الإنجيلية؛ لعرض فيلم: (السلطان والقديس)، في (50) موقعًا، شمل (35) ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يروي قصة واقعية جديرة بالتأمل بين السلطان (الملك الكامل الأيوبي) والقديس (فرنسيس أسيزي)، أثناء حصارالصليبيين الشهير لدمياط منذ ثمانية قرون وتحديدًا عام 1219م، حيث سعى القديس فرنسيس في ذلك الوقت إلى تحقيق الوئام بين الغرب والشرق ونشر السلام، وإنهاء الحروب الصليبية عن طريق محاولة إقناع الطرف الآخر بالدخول في الدين المسيحي. وكان أمل السلطان الكامل محمد الأيوبي إيضاح صورة الإسلام بما يحمله من تسامح وتعايش ورغبة في ترسيخ السلام والتعايش بين المسلمين والمسيحيين؛ فالتقت الرغبتان في الحوار في هذا اللقاء الحضاري، الذي يؤرخ لبواكير حوارات الأديان والتعارف وخوض تجارب الحوار في أحلك الظروف؛ التي ينتج عنها قناعات مهمة بما يحمله السلام والتعارف من مكافحة للشرور والتعصب والكراهية.
وشكَّلت تلك الحوارات الثرية، وقت الحصار والحروب، نافذةً مضيئةً، وبارقةَ أمل نستطيع جميعًا الانطلاق منها إلى عالم أرحب في ظل ما يحفل به العالم من إنجازات حضارية تمكنه من اختصار مسافات التعارف واللقاء وبناء المعرفة الحقيقية بين الأديان والثقافات بما نفخر به من مشتركات إنسانية جامعة.
وقد قام المركز وشركاؤه بتنظيم ندوة لمدة يوم واحد بين مجموعة من المسلمين والمسيحيين الإنجيليين بحضور عدد كبير من ممثلي المنظمات والهيئات المختصة بالحوار وبعض صانعي السياسات في واشنطن العاصمة، حيث تم استعراض الدروس المستفادة من اللقاء التاريخي بين السلطان الكامل والراهب فرنسيس للاستفادة منها في بناء السلام والحوار والتعارف، حيث أطلق على الفيلم والندوة مبادرة عالمية بعنوان: (تتوقف عملية السَّلام؛ على اللقاء بين الأطراف) التي انطلقت عام 2017م وبلغ عدد المشاركين فيها حوالي: (2000) مشارك في (50) موقعًا أمريكيًا؛ لإيجاد مساحات للحوار والتواصل، يتوافر فيها أفراد وقيادات ومؤسسات من ديانات متعددة للنقاش حول تعاليم دياناتهم بشأن السلام والتعايش، انطلاقًا من قصة الفيلم: (السلطان والقديس)، الذي حصل حتى الآن على 18 جائزة في مهرجانات بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، وترشح بقوة للحصول على جائزة إيمي العالمية.
وفي هذا اللقاء أعلن معالي الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات الأستاذ فيصل بن معمر، أن الشراكة مع مؤسسة الإنتاج الموحد والجمعية الرسالية الأمريكية هي شراكة من أجل السلام والتعايش والاحترام، وقال: إن هذا الفيلم يحمل رسالة تنويرية لجميع الأديان والثقافات، تؤكد مضامين الحوار والتسامح والتعايش والسلام، وهي رسالة الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ودعوة صريحة لمراجعة كل إنسان يعيش ليرى في التعاليم الدينية رسائل سلام وتعايشًا واحترامًا ورحمة وعطاء ونبذ الكراهية والتطرف والتعصب، وإيمانًا بأهمية التعارف وفهم الآخر ومخاطبته عن علم وبينه، مشيرًا إلى تنامي إدراك الناس في جميع أنحاء العالم أن الحوار الصادق والمفتوح هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير المنشود، منوهًا برسالة الفيلم التي توصَّلنا إليها، أن الحوار يمكن أن يكون أداةً قوية للتعارف. ووصف معاليه اللقاء بالتاريخي؛ لأنه جمع بين شخصين يحملان وجهات نظر سامية مختلفة. ورغم اختلاف وجهات نظرهما، فإنهما أوجدا أسسًا مشتركة للحوار والتواصل.
وشدَّد ابن معمر على أنه لكي يكون التعارف فعالاً؛ فإنه يقوم على أساس القناعة المشتركة، ولكي يكون مستدامًا؛ يجب أن يبدأ بالفرد وينتهي به، مؤكدًا أن الحوار هو الطريقة المُثلى لتلبية جميع هذه المتطلبات، موضحًا أن المركز العالمي للحوار تأسَّس على أساس التعارف والتفاهم؛ ليكون مبادرة رائدة وفريدة، تجمع بين الدول والأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية وصانعي السياسات في مكان دائم للحوار، وأول مبادرة من نوعها تنبثق من العالم الإسلامي.