د. أحمد الفراج
جاءت أشهر المواجهات في تاريخ أمريكا الحديث، بين مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأشهر، ادجار هوفر، مع داعية الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينج، وقد جاءت المواجهة خلال واحدة من أحلك الفترات في التاريخ الأمريكي، أي خمسينات وستينات القرن الماضي، عندما كانت أمريكا في حرب مع نفسها، فقد كانت حركة الحقوق المدنية في أوجها، تطالب بالمساواة بين السود والبيض، بعد قرن كامل من تحرير السود من الرق على يد الرئيس التاريخي، إبراهام لينكولن، إذ تم تحريرهم من الرق حينها، ولكن تم إقرار قوانين الفصل العنصري، التي تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، وكان أبطال تلك المرحلة من السود تحت نظر الحكومة الفيدرالية وأجهزتها الأمنية، وعلى رأسها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).
وكان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي هو ادجار هوفر، الذي يتمتع بشخصية فذّة، ويتميز بالقوة والسطوة، رغم أنه كان غريب الأطوار، فهناك حديث شبه موثق حول هويته الجنسية، إذ يؤكد معظم المؤرخين أنه ينتمي لطبقة المثليين، وقد شكّل بعبعًا مخيفًا لرؤساء كبار، كانوا لا يجرؤون على مواجهته، وتشير المعلومات إلى أنه كان يسجّل نزواتهم، ويحتفظ بها للابتزاز، ولم يجرؤ أي رئيس أمريكي عاصره على عزله، إذ بقي مديرًا للمكتب حتى وفاته في عام 1972، ونحن لا نتحدث هنا عن رؤساء عاديين، بل عن ساسة عيار ثقيل، مثل الرؤساء كالفين كولدج، وهربرت هوفر، والأشهر فرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، الذي أعطى الأمر بإلقاء القنابل النووية على اليابان، وديويت ايزنهاور، وجون كينيدي، وليندون جانسون، وريتشارد نيكسون، فقد عاصر هوفر كل هذه الشخصيات الرئاسية الكبرى، وبقي في عمله حتى توفي!.
كان ادجار هوفر يكره مارتن لوثر كنج، ويحاول تشويه صورته، ربما من منطلق عنصري، وربما لأنه، وكمسؤول أمني كبير، كان يراه تهديدًا للسلم الاجتماعي، رغم أن كنج كان ينادي بالحقوق بطرق سلمية، على طريقة غاندي بالهند، واستغل هوفر نزوات كنج خارج إطار الزواج، فسجّلها، وعرضها على مسؤولي الحكومة بما فيهم الرئيس، كما اتهمه بالانتماء للشيوعية، وفي نهاية المطاف تم اغتيال كنج، في مدينة منفس بولاية تينيسي الجنوبية، وهو في عمر التاسعة والثلاثين، وهناك قناعة شبة مؤكدة لدى المؤرخين والمعلقين أن الاغتيال كان مدبرًا، ووراءه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي هوفر ذاته، ويعتبر هذا الصراع هو الأسوأ، لأنه انتهى بمأسأة، لا يستحقها كنج، الحائز على جائزة نوبل، وعلى ميدالية الحرية، ولكنها أحداث التاريخ التي يصعب، بل يستحيل تفسيرها في كثير من الأحيان.