د. محمد عبدالله العوين
فر من استطاع الفرار من أعضاء الجماعة من مصر بعد اضطهاد النظام الناصري لهم وبحثوا عن ملاجئ لهم في دول الخليج، فتوجه مئات منهم إن لم يكن آلاف إلى السعودية، وعشرات آخرون إلى الكويت وقطر.
وأتاح الملك فيصل -رحمه الله- لهم فرص العمل في الجامعات وقطاع التعليم العام والدعوة والإعلام والأعمال الحرة.
لم يترك أعضاء الجماعة أفكارهم في مصر؛ بل رحلوا بها معهم، فما فشلوا فيه هناك أرادوا إنجاحه هنا، وما كونه التنظيم وأنشأه من فروع نقله أو أنشأ على غراره هنا؛ ولذلك يجيب سيد حين سئل عن أخيه محمد قطب الذي لجأ إلى السعودية «دعوا محمدا؛ فإن له مهمة خاصة»!
ويبدو أن الجماعة مصرة على أن تنشئ لها فروعا خارج مصر بمسمى «التنظيم الدولي للإخوان» حيث بدأ البنا الخطوة الأولى بالطلب من الملك عبد العزيز -رحمه الله- الذي قابله بالرفض القاطع فوجه البنا بوصلته إلى اليمن، وأكملت الجماعة بعد اغتيال مؤسسها عام 1949م مخططها بالتوسع الدولي.
وحين منيت الجماعة بالنكبة الأخيرة القاتلة على يد عبد الناصر عام 1966م استغلوا العاطفة الدينية والإنسانية عند الملك فيصل وطلب مئات من قيادييهم اللجوء، ووافق الملك على طلبهم على أن يتركوا المجال السياسي وينصرفوا عنه إلى العمل فيما يخدم التنمية في المملكة؛ ولكن المؤدلج الذي تمت صياغته على منهج الحزب لا يمكن أن ينفك عن حزبيته، فتلونوا ظاهرا بالانقياد للمنهج السلفي المعتدل وباطنا بغرس أفكار الجماعة من خلال مناهج التعليم واستقطاب الطلاب واستغلال الأنشطة التثقيفية والجوالة ورحلات الحج والعمرة والمسابقات والمكتبات والجوائز والترشيح للمناصب الإدارية في التعليم والتزكية للإعادة أو للابتعاث والإشراف على الباحثين المستقطبين لفكرهم ومنحهم تقديرات عالية توصلهم إلى مواقع قيادية في الوزارات والجامعات والإعلام وغيره. وبعد أن تكون جيل التسعينيات الهجرية من القرن الماضي على أيديهم بدأت الحياة الاجتماعية والثقافية والإعلامية تنقلب من منهج الاعتدال الذي نشأ عليه السعوديون منذ تأسيس المملكة إلى التشدد والتطرف ومواجهة خطط التحديث والانفتاح، وظهر لأول مرة بيننا صوت شباب ينشد أناشيد جهادية (ضد من ؟! المعنى في بطن الجماعة) وبدأت التجمعات تظهر للعلن باسم الوعي الإسلامي الجديد والصحوة في مخيمات ورحلات وحفلات ومسابقات خاصة تقام بين المحاضرات في الجامعة كما كان الحال في «بيت العلم» في دخنة منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الماضي، وتوزع في تلك الحفلات أشرطة مصطفى السباعي وعصام العطار وعبد الحميد كشك وغيرهم وكتب سيد ومحمد قطب والبنا وفتحي يكن والمودودي والندوي، ومجلات المجتمع والبلاغ والاعتصام.
وبدأ تحويل محلات الأغاني إلى محلات تبيع أشرطة محاضرات وخطب الإخوان، وكذلك المكتبات التجارية؛ فقد انقلبت فجأة إلى مكتبات للجماعة، واستخدمت للدعاية لفكرها حتى محلات بيع العود والطيب والعسل؛ فقد كانت توزع من خلالها أشرطة وكتبا هدايا للمشترين. يتبع