منذ نجاح «لجنة كريل» التي أسسها الرئيس الأميركي ويلسون في 1916 في تحويل الشعب الأميركي، من مسالم ودود إلى متعطش للدماء خلال الحرب العالمية الأولى، انبثق وترعرع مصطلح «غسيل المخ»، الذي حول جموعًا غفيرة في «الويلات المتحدة» والعالم -حسب تشومسكي- إلى مجرد قطعان يسيرها «كاوبويها» كما يشاء.
غسيل المخ هذا أصبح مهنة الإعلام «الحر» بعد الحرب الثانية، بل تحول إلى حق من حقوق «السيد» الرأسمالي المستبد، فهو الذي يصنفك هل أنت ديمقراطي أم ديكتاتوري؟ ليبرالي أم محافظ؟ يساري أم يميني؟ ثم يمنح نفسه «كامل الحق» بالحكم عليك ثم تنفيذ ذلك الحكم!
بيد أن غسيل المخ يتطلب «غسيل الجسد» أيضاً، فالمخ السليم في الجسد السليم. وإذا بقي الجسد سليماً، يمكن للمخ أن يصاب بأنواع «التلوث» الثوري والفكري والروحي، الرافض للدعارة الرأسمالية! لذلك روج لنا السيد المستبد أنواعاً من الوجبات السريعة؛ المليئة بالدهون والأملاح الكيميائية، التي تهيئ الجسد للإصابة بالسكري وضغط الدم وما شابه. أما الذي لا أفهمه حتى هذه اللحظة؛ أن أولادي يعتبرونني «متخلفاً»؛ لأنني لا أطيق «الهامبرغر والهوتدوغ والشبس» وغيرها! وبالرغم من كل أنواع التعليقات اللاذعة والساخرة؛ التي تصدر منهم تجاهي؛ إلا أنهم يلتفون حول السفرة ويأكلون بنهم عندما أطبخ «الكبسة»!، وكأنهم يعيشون «صحوة غذائية» بعد سبات طويل.
اكتشف «المستبدون الجدد» والقدامى في «الويلات المتحدة» وغيرها، أن تدمير الجسد بالوجبات السريعة لا يكفي للحفاظ على «الإنجاز التاريخي» لغسيل المخ، إنما لا بد أيضاً من «غسيل الروح»، حيث إنها تباغت الجسد والمخ بصحوات «تلوث» المخ المغسول وتعيد هيكلته بعد صرف المليارات لإبقائه «حافياً».. ما هو السبيل إذن لتحصين المخ المغسول من صحوات الروح؟
السبيل الأمثل لـ «غسيل الروح» هو «فن التدخل السريع»، حيث تجد أولاً- في السينما: هوليوود وبوليوود، ومستقبلاً ربما كوليوود وجوليوود وشلة وود وشوربة وود ...إلخ، تغرس في مخك المغسول أصلاً، أن البطل الأمريكي هو الحل الوحيد للتاريخ والجغرافيا والمعجزات ومشاكل الظلم والمظلومين، وليس أمامك سوى استجداء المساعدة منه، فأنت غير قادر على فعل شيء!
ثانياً- في الأدب: من الأفضل لك أن تترك «الترهات» من التراث الأدبي للبشرية كله، وتستمتع بقراءة كتاب المفكر المرموق والحائز على جائزة نوبل (فلان.... كيف تنام بدون تفكير؟)، أو رواية الأديب المرموق الحاصل على درجة بروفيسور من جامعة كذا (علان.... تخلصت من القلق) ...إلخ.
ثالثاً- في الفن التشكيلي: إياك إياك أن تطلب تجسيد الجمال في اللوحة، ففي هذه الحالة أنت متخلف، ولكي تكون «مرموقاً» لا بد أن تقبل الغموض.
رابعاً- في الموسيقى والأغنية: لا يجب عليك أن تسمع الأغنية، وخاصة ذات المقامات الأصيلة، بل المطلوب أن «تشاهد» الأغنية!؛ فوقت الأصيل قد انتهى؛ خذ لك مثلاً «سندويتش هيفاء وهبي بالكتشب» أو «باسكال مشعلاني بالماسترد» ...إلخ.
خامساً.. سادساً.. سابعاً .... آه ...أصابني مغص عذراً
** **
- د. عادل العلي