محمد عبد الرزاق القشعمي
عرفت الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عبدالرحمن آل عبدالمنعم، عندما كنت طالباً بمعهد الرياض العلمي 78-1381هـ، إذ كان وقتها مديراً للمعهد، وكان قوياً صارماً مهاباً ولا يسمح للطالب بالخروج من البوابة إلا بورقة صغيرة تحمل توقيعه فقط تسلم للبواب. فكان عدد من الطلبة المشاغبين يتفننون بتقليد توقيعه ويتبرعون بها لغيرهم ممن يريد الهروب من الدراسة.
وبعد أن تصفحت بعض أعداد الصحف المبكرة ووجدت له مشاركات مذ كان طالباً بدار التوحيد بالطائف عام 1371هـ 1952م ثم في مجلة اليمامة عام 1374هـ، وبعد تحولها إلى صحيفة – كانت مشاركاته باسم مستعار هو (الزلفي - ابن الفلاح) والتي أعجبتني فاخترت مقاطع منها للتذكير بما كان يفكر به ويدعو إليه أبناء الوطن قبل 65 عاماً.
والحقيقة أنني حرصت على تتبع مسيرته العلمية والعملية والتأكد من مقالات نشرت في صحيفة اليمامة عام 1375هـ بتوقيع (أبن الفلاح) ولم يستطع مؤلف كتاب (اليمامة وكتابها) الدكتور عبدالعزيز ابن سلمه ذكر اسمه الصريح، وبالصدفة وقفت هذا اليوم الجمعة 1440/4/7هـ 2018/12/14م على شارع شمال الرياض يحمل اسمه (عبدالعزيز بن عبدالمنعم) متفرع من شارع الأمير محمد بن سعد بن عبدالعزيز. فاتصلت به هاتفياً وجددت المعرفة به وذكرته بأنني أحد طلابه وسألته عن من هو ابن الفلاح؟ فضحك وقال هذا اسمي المستعار. فذكرت له الشارع الذي يحمل اسمه فرد بأنه سمع به ولم يره بعد، فأنهيت الاتصال بوعد بزيارته عند قدومه للرياض من الزلفي في الأسبوع القادم.
فيحسن بي أن أعود لمن سبق الكتابة عن سيرته العلمية والعملية. فوجدت له ترجمه مختصرة في (موسوعة تاريخ التعليم بالمملكة العربية السعودية في مائة عام) ط2، 1423هـ 2003م.
« من مواليد الزلفي عام 1352هـ، تلقى مبادئ القراءة والكتابة في المدارس النظامية، ثم التحق بدار التوحيد بالطائف، وبعدها بالمعهد العلمي بالرياض عام 1372هـ، تخرج في كلية الشريعة عام 1380هـ وحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة الأزهر عام 1397هـ تخصص في الفقه المقارن.
عمل معلماً بعد تخرجه من كلية الشريعة سنة 1380هـ بمعهد المجمعة العلمي، ثم مديراً لمعهد الرياض العلمي، ومديراً عاماً للتعليم المتوسط والثانوي بالمعاهد العلمية، بعدها أصبح موجهاً تربوياً عام 1392هـ، ثم عين وكيلاً لرئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعمل أميناً لهيئة كبار العلماء منذ عام 1404هـ».
وقد جاء في صحيفة اليمامة العدد 28 في 19/8/1375هـ أنه عين مدرساً بمعهد المجمعة العلمي وهو مازال طالباً بكلية العلوم الشرعية، وقد نجح مع الدفعة التي تخرجت منها عام 1380هـ وأكد ذلك الشيخ حمد الجاسر في (سوانح الذكريات).
هذا وقد ترجم له الأستاذ فهد الكليب في كتابه (علماء وأعلام واعيان الزلفي) ط1، 1415هـ 1995م والذي قال أنه درس مرحلة من التعليم الابتدائي الأولي في عنيزة، وأكمل دراسته الابتدائية بالرياض بعد أن انتقل إليها في عام 1365هـ... وقال: وبعد تخرجه في كلية الشريعة قام بالتدريس بمعهد المجمعة العلمي لمدة سنتين، ثم عين مديراً لمعهد الرياض العلمي خلال الفترة من 1377-1389هـ، ثم عين مديراً للتعليم المتوسط والثانوي بالمعاهد العلمية حتى عام 1392هـ، بعدها عين موجهاً تربوياً، ثم تفرغ لتحضير رسالتي الماجستير والدكتوراه بجامعة الأزهر ] بالقاهرة [. وكان موضوع رسالة الماجستير (حكم حد السرقة)، وحصل على درجة الدكتوراه في نهاية عام 1397هـ، وكان موضوع الرسالة (نزع ملكية العقار في المنفعة العامة في ضوء الشريعة الإسلامية). وفي أول عام 1398هـ عين وكيلاً لرئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى عام 1404هـ، وفي العام نفسه انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وعين أميناً عاماً لهيئة كبار العلماء.
و له أربعة أبناء هم: خالد، وماجد، ومقرن، ومجاهد.
مشاركاته وكتاباته الصحفية: أول كتابة وجدتها له في الصحافة مقال عن بلدته (الزلفي) عندما كان طالباً بدار التوحيد بالطائف، إذ نشرت له جريدة (البلاد السعودية) مقالاً في عددها 1153 الصادر بتاريخ 20/6/1371هـ الموافق 16/3/1952م.
والمقال الثاني بعنوان (الإنسان بين الحقيقة والخيال) نشرتها له مجلة اليمامة العددان الثالث والرابع من السنة الثانية الصادر لشهر ربيعين 1374هـ ونوفمبر وديسمبر 1954م قال في مقدمته: « يسير الإنسان في هذه الدنيا كورقة في مهب الريح، لا يملك من أمر نفسه قليلاً ولا كثيراً، تواجهه الصعاب، وتتنازعه الأهواء وتعصف به الأماني، وهو ماض مع الأحداث محاولاً التوفيق بين هذه وتلك، بين ما يود تحقيقه من أحلامه وآماله وبين ما يمكنه تحقيقه منها...» واختتمها بقوله: «... لذلك كان لزاماً على كل إنسان إذا ما أراد حياة هنيئة وتقدماً مستمراً أن يوا ئم بين واقعه وآماله، وأن يغذي خياله تغذية الناصح الأمين، بحيث لا يشط عن واقعه، ويبتعد عن دنياه ومشاكله الحقيقية. كذلك لا ينبغي أن يسرف في الحياة المادية بحيث ينسى ما تتطلبه الروح من نزهة وراحة، وما تستلزمه الحياة من تقدم مستمر وطموح دائم، وما يتطلبه ذلك من خلو إلى النفس، وانطلاق من واقع الحياة ولو لحظات للعبرة بالتجارب الماضية، والاستعداد للمصاعب القادمة، والسير نحو الهدف المنشود والغاية الكبرى في الدنيا وفي الآخرة».
ونجد بصحيفة اليمامة الأسبوعية ثلاث مقالات في الصفحة الأولى من الأعداد 16و19و21 بتوقيع (الزلفي.. ابن الفلاح) الأول تحت عنوان: (نظرات 1: تهيب..؟!) يوم الأحد 1375/5/17هـ 1956/1/1م بدأه بقوله: « يوجه الإنسان بين الحين والحين، إلى نفسه الأسئلة تلو الأسئلة حول نفسه وحول الحياة، وحول الأحياء، وقد يجيب عن بعضها وقد لا يجيب، وقد يحاول الإجابة فلا يستطيع أن يجيب، إما لصعوبة ذات السؤال، أو لتشتت أطرافه وتشعب نواحيه فيحتاج للإجابة عليه إلى بحث وتنقيب، وتحر للصواب وتدقيق...» إلى أن قال في ختام المقال: «... ساءلت نفسي، وما زلت أسائلها، وهي تجيبني إجابات مقتضبة أحياناً، ومبسطة أحياناً ومبهمة أحياناً أخرى، وفي كل الحالات فهي تتلمس لي شتى المعاذير، وتحاول صرف ذهني عن البحث عن علة انزوائه، وسر انطوائه، ولكني صارحتها بالحقيقة المرة: إنها التهيب.. التهيب من لا شيء، التهيب من الأشباح والأوهام» الزلفي - ابن الفلاح.
والمقال الثاني: (نظرات 2: العاطفة) مهدات إلى الوطني الكبير أبي صخر [عبدالله الطريقي] .
بدأه بقوله: « قال صاحبي – وقد جلسنا معاً – أنكم لتتحدثون فتكثرون الحديث، وتؤملون وتسرفون في الآمال، وتصورون الأشياء في بعض أحاديثكم فتغرقون في التصوير، فيندهش السامعون لما يسمعون، حتى لكأنهم سيقومون ليمروا على الجبال مر الكرام يحيلونها إلى سهول ورياض، وكأنهم بالأرض وقد تفجرت عيوناً، والمزارع وقد كست الأرض بخضرتها ونضرتها، ثم ينتهي حديثكم بإرسال الآهات، ولوم الواقع والحياة، فإذا بنا نتنفس الصعداء ونتمطى بما يسعنا من الفضاء، وإذا بنا ندرك أن ما أغرقنا فيه، ونقلتمونا إليه إنما هو أحلام وأوهام، وخواطر ليل يمحوها النهار... كان هذا الحديث وتلك المحاورة في أحد المزارع التي يضمها سهل (البطين) في سفح جبل (طويق)، وكان الوقت مساء قبل الغروب، وموضوع الحديث هو الزراعة وحول الزراعة، وكلنا يعلم أن جل أحاديث الريف تدور حول الزراعة وأعمالها وتقدمها أو كسادها، وصاحبي هذا بعد أن مسه نصب العمل في هذه المزرعة كما مسني من قبل أورد هذا الكلام لكي يشعرني أن هذه الآمال، وتلك الأقوال والأحاديث التي تملأ المجالس عن الزراعة وما يرجى من وزارتها في بلادنا من تسهيل وتيسير، إنما هو ضرب في بيداء الخيال، وأحلام ليل يمحوها النهار... إلخ».
والمقال الثالث: (نظرات 3: حياة.. وحياة!)
بدأه بقوله: « يمتاز عصرنا على ما سبقه من العصور بميزات عديدة، ومظاهر جديدة تلفت النظر، وتدعو إلى التأمل والتفكير، ولعلنا حينما نبحث عن مصادر هذا التغيير وأسبابه نجدها ترجع إلى سبب واحد يختلف مظهره باختلاف غايته، هذا السبب هو العمل، العمل بشتى مظاهره وأنواعه، سواء كان جسمانياً أو عقلياً، وتبعاً لما تقوم به كل أمه من الأعمال تجد حظها من الحياة، ومكانتها في هذا الوجود.
والمتتبع لسير الإنسانية في شتى عصورها يلاحظ أن قوة الأمة وصلابتها ومقدرتها على الاحتفاظ بشخصيتها يعود إلى ما يتصف به أفرادها من أخلاق تحفزهم إلى العمل المجدي لما فيه خير الفرد والمجموع، ولكن محافظة الأمم والأفراد على تلك الأخلاق الإيجابية أمر من الصعوبة بمكان، ولم تستطع أمة من الأمم الثبوت والبقاء، ولن تستطيع كذلك إلا إذا عنيت بتوجيه أجيالها المقبلة وتربيتهم تربية تقيهم عاديات الزمان، ولندرة هذه التربية في الأمم السالفة وسيرها سيراً فطرياً - على الرغم مما يلوح في بعضها من ومضات فكريه – اضطر كثير من المؤرخين المتقدمين أن يجعلوا للأمم – كما للأفراد – أعماراً تبتدئ من نقطة وتنتهي عند أخرى... لذلك كان لزاماً على موجهي الأمة في أول مراحلها التعليمية ملاحظة الخطط التي تسير عليها فتضمن لها السلامة وتقيها العوائق والانتكاسات، وتوصلها إلى بر النجاة، بر الحياة العاملة الهادئة المطمئنة السائرة للوصول إلى الحقيقة الكبرى، والقيام بحق الخلافة التي كرم الله بها الإنسان وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.
وهنا نلتقي بنقطة البقاء والاستمرار أو الاضمحلال والفناء.
فالأمة حينما تكون قد أخذت استعدادها وقام مفكروها بتتبع سيرها وإصلاح ما فسد منه، وتقويم ما أعوج والاستفادة من تجارب الآخرين نجدها ثابتة ثبوت الجبال، أما إذا كان وجودها طفرة من طفرات التاريخ أو نزوة من النزوات العابرة، فقلما تستطيع مغالبة الزمان، وعما قليل ستصبح خبراً لكان» الزلفي، ابن الفلاح .
• وقد أثارت صحيفة اليمامة موضوع: (الأجانب.. التجنيس) وكتب فيه عدد من الكتاب، فجاء العدد 140و141 ليشارك به الأستاذ عبدالعزيز العبدالمنعم باسمه الصريح بعنوان: (الأجانب.. التجنيس مرة أخرى) ففي العدد 140 الصادر في 1378/3/14هـ يكتب مشاركاً وليس كما قال مؤيداً أو معارضاً ما سبق أن قيل من أن التجنيس من أجل التوظيف، فقال في مقال نشر على حلقتين نختار مما قال:
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
فالمشاهد الآن أن بلادنا في طور انتقال. انتقال كلي وإن بدا بطيئاً في النواحي النفسية والفكرية، وهذا الانتقال يتطلب وجود اللقاءات اللازمة لتوجيهه الوجهة الصالحة، ورسم الخطط الصحيحة الهادفة ليكون هذا الانتقال وهذا التطور انتقالاً طبيعياً متمشياً مع روح الأمة ومع سرعة الزمن، ومع متطلبات العصر، وهذا ولا شك يدعونا إلى الاستعانة بالخبراء لنستفيد بخبرتهم، ونتجنب بذلك مزالق الآراء الارتجالية التي استنزفت منا الكثير من الجهد والمال، فإن وجد هؤلاء من بلادنا فذلك خير وأولى، وإذا لم يجدوا فحينئذ يتعين على المسؤولين إفاد إخصائيين من الدول التي سبقتنا في هذا المضمار استعارة مؤقتة بشروط معروفة وعقود محددة بزمن معين. هذا بالنسبة للأعمال الفنية. أما أن يفتح الباب على مصراعيه لكثير من الاستغلاليين لدخول هذه البلاد...» إلى أن قال: «... ونحن في ذلك لا نصدر عن عنصرية مقيتة، أو ندعو بعقلية عقيمة، فنحن نؤمن كل الإيمان بأننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ونحن مع الأمة العربية جزء من الإنسانية التي يجب أن نتعاون معها في السراء والضراء... إلخ».
وقابلته مؤخراً فوجدت منه الترحيب والتقدير، فأهداني كتابه (نزع ملكية العقار للمنفعة العامة في ضوء الشريعة الإسلامية) ط1، 1439هـ/2018م، وهو موضوع رسالته للحصول على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة. والتي تمت مناقشتها في عام 1397هـ/1977م. وقال في مقدمته: «... هو محاولة لدراسة موضوع من الموضوعات الفقهية، التي لها مساس بحياتنا الاجتماعية، وهذا الموضوع ليس جديداً في حد ذاته، ولكن بروز العديد من المشاكل التي تنشأ عنه، هو الذي أوحى إلي بفكرة بحثه، واستقصاء آراء الفقهاء فيه. والحاجة ماسة ومستمرة لنزع ملكية العقار للمنافع العامة، لا سيما في المدن المكتظة بالسكان... وتبدو أهمية هذا الموضوع، في كونه يعرض لأبرز محل للملكية وهو ملكية العقار. فالعقار كما هو معروف، منه الملك المطلق، ومنه الوقف، ومنه الأراضي المتروكة حريماً للعامر، ومنه المخصص لمنفعة العموم كالطرق العامة، والأفنية بين الدور، ومنه ما هو مَوَات... وقد اقتضت طبيعة البحث، أن أتكلم عن الملكية وأنواعها ثم أتبع ذلك بالكلام عن العقار والفرق بينه وبين المنقول، لأخلص من ذلك إلى ملكية العقار في الواقع التاريخي الإسلامي، ومذاهب الفقهاء في الأراضي العشرية، والأراضي الخراجية، وحكم بيع دور مكة ورباعها وإجاراتها... وستكون دراستي لهذا الموضوع عرضاً لوجهة نظر الشريعة، في كل جزئية من جزيئاته. مع ذكر أقوال الفقهاء وآرائهم، والمقارنة بين المذاهب الفقهية المختلفة في المسألة الواحدة، وبيان مأخذ كل قول.
وسأحرص في نقل آراء أصحاب المذاهب المختلفة أن أعود إلى مصادر أقوالهم في الكتب المعتمدة عند أصحاب كل مذهب، وأن أعزو كل قول إلى صاحبه، ولم أشأ التدخل أو التحيز لمذهب دون آخر، أو لقول دون قول، وسيكون منهجي في ذلك عرض جوانب الموضوع المختلفة، ودراستها بتجرد تام، وترجيح ما يشهد له الدليل الصحيح، دون تعصب ولا تقليد...».