د. صالح بن سعد اللحيدان
هذا هو الجزء الثاني من هذا المعجم مما يحتاجه كبار العلماء والمحققين، أتلمس فيه -كما في سالفه - بعض غوامض الآثار التي رأيت طرحها لعلها تكون قاعدة تجدي، أستفيد منها وأفيد.
وتبعًا لذلك أورد من ذلك ما يلي:
1- قد ورد حديث وفيه (أنت أحق به ما لم تنكحي)،
قلت هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قد رواه الحاكم وصححه ومن قبل رواه الإمام أحمد بن محمد الشيباني وأورده أبو داوود وسكت عنه.
هذا الأثر هو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجده الأعلى عمرو بن العاص.
هذا الحديث حسن لذاته ولم أقف على سواه، تركه البخاري ومسلم وسواهما.
والحديث دال على أن الحضانة تسقط إذا تزوجت الأم، قلت الأمر ليس كذلك فهذا النص مقيد بعموم قواعد الضرورة، وملخص ذلك إن كانت الأم أصلح فتكون الحضانة لها، وذلك عائد إلى موهبة القاضي والمفتي ومحقق الآثار بجمع القواعد وأطراف الآثار، ومثل يحتاج إلى الحس الجيد وقوة الملاحظة والقياس المطابق.
وإن كان الأب أصلح فكذلك.
2- وجاء في حديث آخر قد يحتاج إلى نظر وقوة استيعاب وجودة فطنة، جاء (من تطبب ولم يكن بالطب معروفًا فأصاب نفسًا فما دونها فهو ضامن).
هذا الأثر رواه عبد الله بن عمروبن العاص، قلت في سنده عبد العزيز بن عبد الملك المعروف بابن جريج، قال الدا رقطني هذا لم يسنده عن ابن جريج إلا الوليد بن مسلم وقريب من ذلك قال أبو داوود سليمان بن الأشعث.
والحديث حسن لذاته، إذ لم أقف على أصح منه وإن كان حسناً.
ومن المعلوم أن دعوى الطب ودعوى الرقية ودعوى العلاج بلسعات النحل قد كثر في هذا الحين، والله المستعان.
3- ورد في أثر معروف ما يلي (مضت السُّنة في كل أربعين فصاعدًا جمعة).
قلت وقد رأيت أهل البوادي وعامة العوام يذكرون هذا الأثر فلا يقيمون الجمعة وقد إنتشر هذا.
والصواب أن هذا العمل ليس بصواب فتقام الجمعة في أقل من هذا العدد بكثير.
وهذا الحديث لم يصح وقد رأيت الإمام أحمد قال في سنده من يكذب قلت في سنده عبد العزيز بن عبد الرحمن.
3- وورد في حديث آخر صحيح (كنا نجمّع -بتشديد الميم- معه إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء)، وهذا رواه البخاري وكذلك مسلم عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه - والضمير في قوله (معه) النبي صلى الله عليه وسلم،
قلت خطبة الجمعة والصلاة إنما تكون قبل زوال الشمس وليس كما هو اليوم في بعض البلاد الإسلامية.
وهذا الأثر لم أجد له ناسخًا ولم أجد له مقيدًا كما لم أجد له مخصصًا، والمراد أنهم كانوا يخرجون -رضي الله عنهم - قبل صلاة الظهر إذ الجمعة ووقتها بخلاف الظهر.
بل جاء عند الدارقطني عن عبد الله بن سيدان أنه صلى الجمعة قبل نصف النهار، وعن ابن مسعود وسعيد بن زيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال.
وورد أثر انتشر عند عامة العلماء والفقهاء وبعض أساتذة الجامعات هذا الأثر (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)،
وهذا الأثر ورد عن ابن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما - دون النظر إلى صحته من ضعفه وما له وما عليه عند البعض.
قلت هذا الأثر فيه شذوذ شديد، فإنه لم ينقله عن ابن عمر إلا عبيد الله وعبد الله، فأين بقية أصحاب ابن عمر، وأين أهل المدينة وعامة علماء الجرح والتعديل وعلماء الأسانيد يردون مثله.
بل إن ابن قيم الجوزية في (تهذيب السنن) قد أفاد فهو يقول (إنه لم يصح في مقدار القلتين شيء ثابت).
والمقصود من هذا كله إنما أردت به أن العلم موهبة وقدرات فذة وتفرغ مناسب، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.