د.عبد العزيز الصقعبي
أعتقد أن الجميع يتفق على أهمية القراءة للإِنسان المتعلم، ومن يقول إن الكتاب الإلكتروني والتقنية الحديثة ووسائل التواصل أو ما يسمى الإعلام الجديد أخذ مكان الكتاب الورقي لم يحالفه الصواب، الكتاب الورقي باقٍ ومهم، والناس يحتاجون للقراءة كاحتياجهم للمأكل والمشرب، لذا يكون نشر الكتب صناعة مهمة للأفراد وكذلك للوطن.
أقول ذلك بعد أن لاحظت الإقبال الشديد على إصدارات الهيئة العامة للكتاب بمصر في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وحقيقة أمر مذهل إصدارات بالآلاف وكتب متنوعة بطبعات مختلفة، وأغلبيتها بأسعار زهيدة لتكون في متناول الجميع، والجميل أننا نجد كتب التراث العربي كاملة بأجزاء متعددة وأحجام كبيرة، وكذلك ملخصات لها، يسهل قراءتها وحملها، وكذلك نجد كامل كتب الرواد مع سلاسل تنشر إبداعات الأجيال الجديدة.
الكلام يطول عن هذا التميز في الثقافة والنشر في مصر، وهم بجهدهم هذا يستحقون الإشادة، بالمقابل حين أنظر إلى حركة النشر في المملكة، يصيبني الحزن، لأسباب كثيرة، أولاً ربما نكون الدولة الوحيدة التي لا يوجد في جهازها الحكومي إدارة معنية بالنشر، وما ينشر عن طريق الأندية الأدبية، لم يصل لمرحلة التميز، فهي محاولات يحددها توجه أعضاء مجلس إدارات الأندية واهتماماتهم، إضافة إلى علاقاتهم، أمر آخر أن كتب الأدباء والمفكرين وكل من له فعل ثقافي أو علمي بصيغة كتاب منشور، تلك الإصدارات تنتهي بموتهم، ولا يبقى إلا نسخ محدودة مودعة في مكتبة الملك فهد الوطنية، وبعض المكتبات العامة والجامعية، وبالطبع هنالك آلاف من الكتب المهمة طبعت في العقود الماضية اختفت، ولم يعاد طبعها باستثناء بعض الكتب وبمبادرات فردية.
بالطبع هنالك من الأدباء والمفكرين لديهم مسودات لكتب قد تكون مهمة، بقيت تلك الأوراق حبيسة مكتباتهم الخاصة، وأغلبيتها تم التخلص منها بعد وفاتهم، وهنا نفقد ثروة علمية وفكرية وأدبية قد تكون مهمة للثقافة العربية.
أذكر تعليق أحد الأكاديميين من كبار السن في لقاء مع وزير ثقافة وإعلام سابق أقيم هذا اللقاء في معرض الرياض الدولي للكتاب، هذا الأكاديمي قال: إن لديه مسودات لعدد من الدراسات، ويحتاج دعمًا لطباعتها، لا أدري بعد ذلك هل تمت مساعدة ذلك الأديب الأكاديمي، وطبعت كتبه، أم دفنت أو ستدفن مع موته، وخلال السنوات الماضية فقدنا أكثر من أديب وباحث ومفكر، تم تأبين بعضهم بندوة أو محاضرة، وبعد ذلك دخلوا في دائرة النسيان.
نحن نحتاج هيئة عامة للكتاب، أو إدارة في وزارة الثقافة تعني بالنشر، وطباعة الكتب لن تكلف كثيرًا، والمطابع كثيرة ربما مطابع المؤسسات الصحفية وأغلبيتها متميزة ستكون مهيأة للطباعة إضافة إلى أن ذلك سيكون داعمًا لكثير من هذه المؤسسات لانتشالها من أزماتها المالية.
الأمر لا يتوقف عند الطباعة فقط، ولكن يجب أو يواكب ذلك توزيع في كافة أرجاء الوطن، نحن نرى مدى الإقبال على الكتب في معرض الرياض للكتب، وإلى حدٍّ ما جدة، وكيف بدأت مناطق المملكة بالمطالبة بإقامة معرض للكتاب، فكان معرض القصيم وفي المستقبل معرض في المنطقة الشرقية، هنالك رغبة لشراء الكتب والقراءة، ولكن في حالة غياب النشر، سينصرف الجميع إلى الاكتفاء بتصفح أجهزة الهواتف الذكية للبحث عن معلومة أو قراءة طرفة، وهذا مع الأسف فيه كثير من التسطيح.
نحن بحاجة لإعادة طباعة التراث الفكري المنشور سابقًا طباعة شعبية لتكون في متناول الجميع، وأتمنى أن يكون من ضمن برنامج جودة الحياة 2020م وهو أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030م، حركة نشر جيدة، لذا أتمنى أن يأتي معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2020م وهنالك مساحة كبيرة بها مئات بل آلاف الكتب التي أعيد طباعتها، مع السلاسل الجديدة، إن سلسلة الألف كتاب كمثال قد لا تتجاوز تكلفتها خمسة ملايين ريال إذا طبعت طبعات شعبية، ودولتنا قادرة على ذلك، الجميع يريد أن يقرأ، وكل واحد يعرف أن خير صديق هو الكتاب، فهل ستتقوى هذه الصداقة ويكون الكتاب حاضرًا في كل مكان.