أ.د.محمد بن حسن الزير
منذ زمن وأنا أواجه في نفسي رغبة ملحة في الكتابة عن لغتنا العربية وحاجتنا إليها وحاجتها إلينا، وعن واقعها في حياتنا، وهل هذا الواقع إيجابي أو سلبي، وعن تفاعلنا معها، وما مدى تجاوبنا مع إمكاناتها، وتقديرنا لمزاياها، وما مدى حضورها في مسيرتنا العلمية بشكل خاص، وفي مسيرتنا الثقافية والفكرية والاجتماعية بعامة، وهل نحن أفرادا ومجتمعا نستثمر هذه اللغة العظيمة المتفوقة، ونحقق توظيفها الأمثل في هذه المسيرة؟!
أسئلة كثيرة وغيرها تحضر في ذاكرتنا وفي وعينا.. وقد حضرت تلك الأسئلة في ذهني واحتشدت، وتجددت معها تلك الرغبة الكامنة، يوم تلقيت من أخي الفاضل الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي (مدير تحرير الشؤون الثقافية في الجزيرة الغراء) دعوته لي للكتابة، وحضرت معها في ذاكرتي دعوة سابقة من الأخ الفاضل أبي بشار الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير، يوم كنت وقتها الملحق الثقافي للمملكة العربية السعودية في جمهورية مصر العربية، وكان قد تفضل بتوجيه تلك الدعوة المشكورة، حين كنا ووفد رؤساء الجامعات المصرية في زيارة للجزيرة ورئيس تحريرها (أبي بشار) الذي استقبلنا بحفاوة وتكريم، وحدثنا عن الصحيفة ودورها الرائد في مسيرتنا الثقافية، وبالنسبة لي فقد حالت دون ذلك – وقتها -الأعمال الإدارية والأسفار المرتبطة بالعمل وتمثيل المملكة في مصر ثم في اليابان مديرا للمعهد العربي الإسلامي في طوكيو؛ ولكن وبعد أن ألقيت عصا التسيار، وأصبحت في مرحلة من الاستقرار، فقد وجدت هذه الدعوة تأتي في وقتها، وأنه من الوفاء للساننا العربي، ولدعوة الفضلاء الكرام أن أستجيب لنداء رغبتي، ولدعوة الفاضلين الكريمين؛ وذلك بالكتابة – عبر حلقات متتالية بمشيئة الله وعونه – عن لغتنا العربية ولسانها المبين، وعن تجربتي في رحابها تعلقا وتعلما وتعليما وإبداعا، سواء في داخل المملكة أو خارجها، وبخاصة تجربة تعليمها في طوكيو في امبراطورية اليابان، التي استمرت عدة سنوات.
ولا شك في أن تاريخ العربية حافل بالدروس والعبر، وحافل بالمنجزات البيانية والحضارية، في مسيرة الإنسانية، وتاريخها العريق على هذه الأرض الطيبة؛ منذ أن علم الله «آدم» عليه السلام أسماء المسميات كلها، ثم عرض تلك المسميات على الملائكة؛ ولكن آدم، وحده، هو الذي استطاع أن ينبئ بأسماء المسميات؛ لما علمه الله من علم وبيان؛ مما يدل على عظمة هذه اللغة وعبقرتيها، وما يتوافر لها من إمكانات وقدرات متميزة، أهلتها لأن يختارها الله، تبارك وتعالى، لحمل رسالته إلى الثقلين الإنس والجن!
وفي الحلقات القادمة، بعون الله، رحلة مع لغتنا العربية، في آفاقها الرحبة المتعددة، نستجيب فيها لمتطلبات واجباتنا تجاهها، ونستجلي جوانب احتياجنا إليها، ونعبر عن مدى إمكاناتها في حل مشكلاتنا، ومدى فاعليتها في جعل حياتنا أكثر تقدما وازدهارا.
ولا يفوتني هنا، في مطلع هذه المقالات عن اللغة العربية، بالنظر إلى حاجتنا إلى تعلمها وتعليمها «تعليما عميقا بطريقة صحيحة» أن أنوه بالمسؤولية الكبرى التي تقع على كاهل المؤسسة التربوية التعليمية، في بلادنا، وهي وزارة التعليم، تجاه اللغة العربية في وطننا الكريم، هذه الوزارة التي يحدوني تفاؤل تجاهها، بوجود قيادة جديدة لها، متمثلة بمعالي وزيرها الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، الذي أتقدم إليه بجميل التهنئة، على الثقة السامية الكريمة، وبخالص الدعاء له بالعون والتوفيق والتسديد، من الله العلي القدير، سائلا الله الكريم، أن يمنحه من القوة والعزم ما يمكنه من أداء مهمته، وحمل أعبائها، وتحقيق أهدافها السامية، بهمة واقتدار.