« دلف إلى بيته القديم الذي أنهكته الوحشة أجزاء من الباب الخشبي مهشمًا، وجد الزافر أمامه شامخًا لم يزل صامدًا، البداية التي كان يراقب عليها المارة متماسكة كحديده، جلس فيها متأملاً!.
« هناك في الطرف الآخر غرفة الاستحمام، رفع رأسه عاليا، ابتسم ضاحكًا حين رأى القطّار ومعاناة سقوط المطر، هنا اجتماع العائلة وتجاذب أطراف الحديث، شاهد العلّية التي احتضن فيها عروسه، تذكّر كيف كانت ليلته الأولى معها، وهو بالكاد لا يحدث همسًا، فالصوت يسري مع الليل الساكن، وضع يديه على وجهه، رفعهما مترحّمًا، فسقطت دمعتان تسربل على خديه، تستقر في لحيته التي غزاه الشيب، شريط ذكريات خمس وعشرين سنة مرّت عليه...
« البيوت التي فيها جيرانه خاوية على عروشها، صرخ عاليًا لا يسمع إلا صدى صوته؟
« يا عم هلال، يا دلس، يا بو شرين.
« يا شيخنا اللبزة، يا جدي عنبر!.
« أجهش بالبكاء مغادرًا، وهو بالكاد ينقل خطوات رجليه، وكم كانت فرحته لمّا أبصر سيارة النقلية الجمس التي اختفت الكثير من معالمها، تذكر حين كان يجلسون فيها وطريق الزناقر المرعب للوصول إلى مدرستهم يرددون شطر بيت شعري يشتمون سائقها عندما تصك رؤوسهم عاليًا كزلزال ويهبطون على مقاعدهم منهكين.
« سواقنا فني فني.
« سواقنا ركبه جنّي.
« سمع صوتًا في جيبه الأيسر إذا بهاتفه، تركه ومضى في طريقه حزينًا.
« علي الزهراني (السعلي).
« « «
- الزافر: عمود خشبي وسط البيت.
- البداية: الشبّاك.
- القطّار: فتحة في أعلى البيت القديم.
- الزناقر: طريق ترابي وعر.
- العِليّة: غرفة النوم القديمة.
** **
- علي الزهراني (السعلي)