قد أكون واحداً من الذين يستخدمون مصطلح (آيديولوجيا) كثيراً في أطروحاتهم، وذلك بحكم نوعية ومضامين المواضيع التي عادة ما أتطرق إليها في هذه الأطروحات. والإشكالية التي أقع فيها أنا وغيري ممن يستخدمون مثل هذه المصطلحات التي من الصعب إيجاد مرادف عربي لها، هي الوقع المتعالي الذي تتركه هذه المفردة الدخيلة على العربية في نفس المتلقي العربي، هذا الوقع الذي لن يسهم بأي شكل كان في تسهيل مهمتنا في إيصال المضامين التي نرغب في إيصالها، بل يسهم في تعقيد ذلك بشكل أو بآخر.. ولكن لا خيار أمامنا بالكف عن استخدامه في ظل غياب المصطلح العربي المناسب. هذا الغياب الذي يدفعني لطرح تساؤل كثيراً ما أجده ملحاً كلما استخدمت أو وقع نظري على مصطلح (آيديولوجيا):
لماذا لا يوجد مرادف عربي لمفردة آيديولوجيا (علم الأفكار)؟ فمن خلال المنجز الحضاري والمعرفي العربي/الإسلامي ومجموعة العلوم التي قام باستحداثها أو تلك التي قام بنقلها عن اليونان وغيرهم من الأمم التي سبقته، ومن ثم قام بتطويرها والإضافة عليها إلى مراحل قفزت ببعضها معرفياً إلى آفاق جديدة لم تشهدها البشرية من قبل، لماذا توقف هذا المنجز أمام الأفكار وإيجاد علم خاص بها كعلم الأفكار (الآيديولوجيا) في حين أنه قام باستحداث علم مستقل لدراسة النصّ وهو (علم الكلام)!!
البحث في هذا الاتجاه لن يفضي إلى إجابة واحدة كافية وشافية وإنما إلى مجموعة من التأويلات والآراء التي ستزيد المشهد ضبابية، وتشعل قطيعًا جديدًا من الأسئلة بدلاً أن تجيب على المطروح مسبقاً منها.
شخصياً أميل إلى الرأي الذي يذهب إلى أن انكفاء توليد الأفكار وخلقها من خلال ثقافة النقد والتحليل بمقابل انتشار ثقافة النصّ والتركيز عليه في التاريخ العربي والإسلامي يعود لانتصار مدرسة ( النقل) على مدرسة (العقل)، هذا الانتصار الذي أغلق وبشكل يكاد يكون كاملاً باب الاجتهاد الذي لم يتوقف تأثيره على الاجتهاد الديني وإنما امتد لكل المرويات والسرديات الموروثة من تاريخ وأدب وأساطير وغيرها. وتحولت من خلاله العقلية العربية إلى عقلية تسليمية لا تحليلية، ترتكز على التلقين والحفظ بدلاً من النقد والتشريح. عقلية تبعية غير مبدعة وغير قادرة على الابتكار في غالب منتجها الفكري.
لتبقى الأسئلة القائمة حالياً:-
هل كنا ولا نزال نخاف من الأفكار ومن حرية العقل إلى درجة القيام بتهميشها وتهميشه؟ هل قمنا بالفعل باختلاق قداسة وأحطناها بالنص (وحديثي هنا عن النص السردي العادي وليس القرآن الكريم الذي يعتبّر هو المقدس لدينا كمسلمين)!؟ هل نحن بالفعل نقدّم النّص على المضمون بالشكل الذي يجعل النص الموروث في حصانة عن تقييم وتحليل ونقد العقل أيًا كانت هزالة وهشاشة هذا النص!!؟. وإن كنا نقوم بهذه الممارسة العقلية لماذا لم نتخلص منها إلى اليوم في ظل هذا التطور المعرفي والعلمي العظيم الذي نشهده وتشهده البشرية!؟
** **
- تركي رويّع