أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أواجه في هذا البحث تفريعات كبعر الكبش، ولكنني سوف أذللها إن شاء الله تعالى على الرغم من كل العقبات، وتلك التفريعات هي الواردات في تفلسف (أندريه لالند) بترجمة الدكتور (نظمي لوقا).. قال (أندريه): حركية العقل العقلانية [قال أبو عبدالرحمن: بل هي حركة العقل، وأما (حركية) فهي تفلسف متكلف بلا حاجة.. كما أن العقلانية عند المتفلسفين تعني عقولاً متعددة، والواقع: أن العقل واحد يملكه كل سوي، وإنما يتعدد العقلاء]، ثم قال: سماتها ثنائية الإنسان: [وهي] العقل المعياري مرتبطا بالواقع [الذي هو] الرابطة العامة، والشركة، والقدسية، وخصوم العقل العقلانيون بلا برنامج، والعقل المنشىء [بصيغة اسم الفاعل]، والعقل المنشأ [بصيغة اسم المفعول].. [و] أسس الفلسفة كالتالي:
1 - عندما يتحدث المرء عن العقل [فإن] في وسعه أن يفكر في وظائف عقلية مختلفة جدًا، فلنقل إذن على الفور إن ما نحن بصدده هنا ليس ملكة الاستدلال والحساب وكفى، فهذا الاستعمال لكلمة العقل كان سائدًا في العصر الوسيط، وقد بطل منذ أطلق (موليير) بيت شعره المشهور عن التفكير الذي يطرح العقل جانبًا، فالعقل الذي نعنيه هنا هو الذي يسوي (ديكارت) بينه وبين البداهة السديدة.. إنه الذي يرمي إليه من يقول: إن فلانًا على حق.. وحينما نقابل بين العقل (أو الرشد)، والهوى (أو الغي)، أو حينما نعترف في أسف أن (العقل ليس هو الذي يسوس الحب)، والإيمان بالعقل بهذا المعنى: هو الاعتراف بأن لدى كل امرىء سوي قدرة حقيقية (أو عينية) على إدراك أن قضايا معينة صائبة أو خاطئة، وتقدير فروق الاحتمالات، وتمييز الأفضل والأسوأ في مجال الفعل أو الإنتاج.. ولا يتم هذا بصورة تأثيرية وحسب بضرب من الرأي الانطباعي على نحو ما نشعر بجسمنا: أنه كان مستريحًا، أو غير مستريح، بل في صورة أفكار عامة، وتوكيدات واعية نطلقها بغير لبس، وتفرض ذاتها [يعني نفرضها نفسها] على الأذهان في علاقاتها العقلية ما بقيت صادقة النية، فتضعها فوق المناقشة، وهي منطوقات غير كاملة بطبيعة الحال، وذلك شأن كل ما هو بشري، بيد أنها قابلة لهذا الضرب من الدقة الذي نتطلبه في الصيغ القضائية الجيدة، أو في القوانين المتعلقة بالظواهر الطبيعية.. والعمل بمقتضى العقل (أو العمل الرشيد): أن يكون حافزك الأوحد، وللفعل اندفاعات ومشاعر، بل تكون من حيث تستطيع تفسير أفعالك لمن يقدرون على فهمها مستعينًا بأفكار وقواعد يقرون هم أيضًا حجيتها، فالعقل إذن عنصر جوهري من عناصر الشخصية الخلقية: من حيث هي غير قابلة للتفسير بالمصالح والانفعالات والأهواء الشخصية، وهذا ما يجعله ليس موضع رضى لدى كثير، والعقلانية هي القول بوجود قيمة العقل على هذا المعنى، وللفظ العقل معان أخرى، ففي المناقشات الدينية يطلقونه على من لا يعترفون بأي صورة من صور الوحي، ولا بأي مذهب قائم على سلطة الكنيسة، ولا يقبلون أي محك للواقع اللهم إلا خبرة العقل، وهذا هو (برونتيير) يتكلم باسم الكثلكة، فيقول: إن (الإيمانية) و(العقلانية) زندقتان متضادتان لا يمكن منازلتهما بوسائل واحدة.. وتطلق العقلانية لدى الفلاسفة على من يقولون: إن في كل ذهن نظامًا (أو نسقاً) من المبادئ الكلية الثابتة المنظمة لمعطيات التجربة الحسية.. وإذا أفنا على هذا اللفظ معنى أشد من ذلك إمعاناً: أطلقناه أحياناً على المذاهب القائلة: إن كل شيء في العالم يجب أن يكون معقولاً، ويمكن إنشاؤه بصورة قبلية (أي سابقة كل تجربة)، على يد فكر مماثل لفكرنا، بيد أنه أقوى منه بدون حاجة للرجوع إلى التجربة.. وهذا الغموض يحتاج أيضًا إلى زيادة تذليل، فإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.