د.حسن كامل إبراهيم
لما كان علم الاستغراب يعنى بدراسة العربي والمسلم لأهل الغرب، فعلم الاستغراب من هذا المنطلق مضاد لعلم الاستشراق في الاتجاه الذي يعني دراسة الغربي للعرب والمسلمين، فمن وجهة نظري هما طريقان متوازيان حكم عليهما أهل الغرب بألا يلتقيا حتى في الما لا نهاية، أما نحن العرب والمسلمون فقد علمنا الإسلام أن الناس جميعا خلقوا شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وأن يتعاونوا على البر والتقوى والعمل الصالح بما يحق الخير لكل بني البشر، ولكن هذا هو خيار الغربي الذي لا يريد لعلم الاستشراق وعلم الاستغراب أن يلتقيا، بل أن الغربي لا يريد أن يتأسس علم الاستغراب من البداية. فالغربي يرى أن علم الاستغراب بمثابة حرب أيديولوجية استراتيجية من قبل العرب والمسلمين عليه، نعم هو ينظر لعلم الاستغراب هكذا، فعلم الاستغراب حرب معلنة من قبل العرب والمسلمين على الغرب على نحو ما يقيم أهل الغرب مجرد محاولة تدشين علم الاستغراب. هكذا مجرد فكرة تأسيس علم الاستغراب، يراها الغربي بمثابة إعلان حرب عليه من قبلنا.
على العكس لم ينظر العربي والمسلم لعلم الاستشراق على أنه حرب أيديولوجية استراتيجية معلنة من قبل الغربي، بل أن العربي والمسلم ميز في عمل المستشرقين بين من هو متعصب ومن هو منصف، بل أكثر من ذلك اعترف العربي والمسلم بفضل بعض المستشرقين على العرب والمسلمين، وهذا من قبيل الموضوعية والنزاهة العلمية في مقابل الغربي الذي ينظر إلى مجرد فكرة تأسيس علم الاستغراب أنها حرب علنية من قبل العرب والمسلمين عليه. بل أن مجرد أن تكتب عن علم الاستغراب، فهذا أمر مرفوض من قبل الغربي، ومما زاد الطين بلة ما قام به الاستشراق الغربي من دور كبير مؤخراً في التأسيس لما يسمى بـ « الربيع العربي».
فما يسمى بـ«الربيع العربي» يقف وراءه حركة استشراقية أيديولوجية استراتيجية تعلن عن قسم من عملها وتخفي القسم الأكبر منه، وما خفي بكل تأكيد أعظم مما هو معلن، فالمستشرق الصهيوأمريكي «برنارد لويس» كما يبدوا واضحا للعيان في الإنترنت وضع خريطة جديدة للشرق الأوسط يظهر فيها تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، فيبدو في خريطته 44 دولة عربية وليس الدول العربية على نحو ما هي الآن على أرض الواقع، «برنارد لويس» يريد تغير الجغرافيا للمرة الثانية بعد المرة الأولى «سيكسبيكو». وهذا يبين لنا أن الاستشراق ما زال وثيق الصلة بالاستعمار، بل هما ما زالا وجهين لعملة واحدة. هذا ما هو ظاهر أمامنا من الوجه القبيح للاستشراق. والله تعالى وحده يعلم مدى قبح ما خفي من هذا الاستشراق الصهيوأمريكي.
** **
جامعة الملك سعود سابقا - جامعة عين شمس حاليا