«الجزيرة» - المحليات:
برعاية معالي وزير الخارجية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، أقامت وزارة الخارجية حفلاً تكريمياً لمعالي الدكتور نزار بن عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً، تقديراً لمسيرته العملية الطويلة التي قضاها في السلك الدبلوماسي. وعبر معالي وزير المالية في كلمة بالمناسبة عن سعادته بتكريم أحد رجال الدولة في الحقل الدبلوماسي، مبينًا أن مدني تدرج في الوزارة لمدة ستة عقود، ومثل بلاده خير تمثيل في المحافل العربية والإسلامية والإقليمية والدولية. ولفت الوزير إلى أن مدني يتمتع بمواهب عديدة، لكن الجميع يتفق على أن موهبته الكبرى في القدرة على جذب من يقابله أو يعمل معه إلى محبته وتقديره والإعجاب به.
من جانبه ألقى معالي وزير الخارجية كلمة بهذه المناسبة أشاد فيها بما قدمه معالي الدكتور نزار مدني من مجهودات مخلصة لخدمة دينه ثم ملكه ووطنه طوال مسيرته العملية. كما قدم منسوبو الوزارة لوحة حملت مشاعر الشكر والامتنان لما قدمه معاليه من مجهودات مباركة.
حضر الحفل عدد من أصحاب السمو والمعالي والسفراء وكبار مسؤولي وزارة الخارجية. هنا تفاصيل بعض الكلمات التي أُلقيت في الحفل:
* *
كلمة الدكتور نزار مدني
د. نزار مدني: الخارجية بالنسبة لي ليست مكان عمل بل موضع حياة
اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن امتناني البالغ وتأثري العميق بالفيض الدافق من المشاعر النبيلة التي تفوح بالود والوفاء والعواطف الجياشة التي تلامس شغاف القلوب، والتي طوق الجميع بها عنقي بعد انتهاء خدمتي في الدولة تشرفت خلالها بالعمل في وزارة الخارجية، هذه الوزارة التي اختطت لنفسها منذ البدايات معايير ذهبية لا تقبل عنها بديلاً: التميز، والجودة والأداء الراقي.
دعمتها حكومتنا الرشيدة فاستثمرت هذا الدعم خير استثمار، وأضحت علامة بارزة في مسيرة التنمية في بلدنا المعطاء..
وزارة بوصلتها القيم..
وديدنها الإبداع..
تقدر قيمة الإنسان وتدرك أهمية خدمة الوطن..
تراجع نفسها وبرامجها باستمرار..
تعترف بالقصور وتتخذه وقوداً للانطلاق.
موظفوها بكافة فئاتهم ومراتبهم محور اهتمامها، وسفراؤها رأسمالها الذي تعتز به.
لقد بدأت العمل في هذه الوزارة منذ ما ينوف على الستة والخمسين عاماً..
عملت خلالها في معظم أقسامها وإداراتها بما في ذلك العمل في الخارج..
تدرجت في سلمها الوظيفي من العتبة الأولى حتى نهاية السلم..
أحببتها حتى الشغف والهيام..
أحببت موظفيها بكافة درجاتهم ومراتبهم، وفي مختلف مواقعهم ومناصبهم..
أحببت كل بقعة فيها..
أحببت اسمها وشعارها، حتى دورها ومبانيها.
لم تكن هذه الوزارة بالنسبة لي مكان عمل فحسب، بل كانت موضع حياة، بكل ما تعنيه العبارة، فقد بادلتني وبادلني رفقاء دربي فيها حباً بحب ووفاءً بوفاء وإخلاصاً بإخلاص.
واصلت العمل فيها مع زملاء أعزاء كرام..
ركزنا في العمل على ما لا يُرى أكثر مما يُرى.
تجرأنا برفض ما لا نجيده بهدف التركيز على ما نحسنه..
استثمرنا في موظفين متميزين فجدوا واجتهدوا وأبدعوا فكانوا لنا إخوانا لم تلدهم أمهاتنا، وأبناءً لم ننجبهم، وكانوا لوطنهم مخلصين.
عملت تحت قيادة ورئاسة نخبة من خيرة الرجال خلقاً وعلماً وخبرة وحكمة.
وإذا كان المقام هنا لا يسمح بذكر أسمائهم جميعاً وسرد أفضالهم الكثيرة، إلا أن هذه المقام لا بد أن يسمح بالإشارة إلى فخر أولئك الرجال وفارسهم ونجمهم الساطع المغفور له الأمير سعود الفيصل -يرحمه الله-، الذي لا أستطيع في هذه العجالة أن أوفيه حقه وأن أسرد جميع خصاله وسجاياه ومآثره وإنجازاته، وحسبي أن أستحضر مقولة شقيقه ورفيق دربه سمو الأمير تركي الفيصل الذي قال: (ومن واقع علاقتي الوثيقة بسموه، واحتكاكي المباشر به لمدة شارفت على الأربعين عاماً، أستطيع أن أوجز فأقول : إن سعود الفيصل ترك لنا إرثاً وكنزاً من المآثر والمفاخر ما علينا إلا أن نغترف منه لنستزيد، ومهما اغترفنا فلن ينفد أبداً..
كان -يرحمه الله- قوياً كلما احتاج الأمر إلى القوة..
حازماً وحاسماً كلما احتاج الأمر إلى الحزم والحسم..
دبلوماسياً كلما احتاج الأمر إلى الدبلوماسية.
خبيراً ومحنكاً كلما احتاج الأمر إلى الخبرة والحنكة.
حكيماً وعاقلاً كلما احتاج الأمر إلى الحكمة والتعقل.
صبوراً وحليماً كلما احتاج الأمر إلى الصبر والحلم.
لقد أحب الناس فيه بعد نظره وسداد رأيه..
وأحبوا فيه عمق فكره ووضوح رؤيته..
كما أحبوا وقدروا ظهوره في كل مناسبة، وفوق كل منصة ومنبر، منافحاً عن معتقده، وعن مواقف بلاده، ومدافعاً عن قضايا أمته ومشاغلها وهمومها.
أسعدني الحظ أيضاً بمزاملة عدد من الأعزاء في خلال عملي بالوزارة، منهم من تقاعد ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
كنت مرؤوساً لبعضهم، وزميلاً للبعض الآخر، ورئيساً للبعض الثالث..
نهلت من خبرة وحكمة البعض الأول.
واستفدت من علوم ومعارف البعض الثاني..
واستمتعت واستأنست برفقة وصحبة البعض الثالث..
كانوا جميعاً نعم الرؤساء والزملاء والرفقاء.
لم تقتصر العلاقة مع كثير منهم على حدود الزمالة.. أو على مستلزمات العمل، ولكن تخطتها إلى صداقة أتباهى بها، وتجاوزتها إلى أخوة أعتز بها.
لقد كان مشواري في هذه الوزارة طويلاً طول النفس الذي تحركه إرادة العطاء.
وعميقاً عمق مساحة الشعور بحب الوطن.
لقد بذلت خلال هذا المشوار الطويل، بتوجيه من رؤسائي، وبالتعاون مع زملائي، كل جهد ممكن ومستطاع، وفي حدود صلاحياتي وإمكاناتي وقدراتي، في سبيل الارتقاء بمستوى العمل، وفي سبيل تحسين أداء الممثليات، وفي سبيل تمثيل بلادي في المحافل الدولية بالشكل اللائق والمشرف.
وإذا كانت هناك إنجازات تم تحقيقها، فإن الفضل فيها يعود - بعد توفيق الله - إلى المسؤول الأول وصاحب القرار النهائي في هذه الوزارة.
وأما إذا كان هناك تقصير أو أخطاء أو تقاعس في الأداء وفي تحقيق الأهداف المنشودة، فحسبي أنني أخلصت واجتهدت وحاولت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وهنا: لا بد أن أؤكد لكم أن ما قدمته خلال هذه السنوات الطوال لا يمكن أن يوازي أو يعادل حقوق هذا الوطن الذي كنت وسوف أظل جندياً من جنوده يخدمه ويدافع عن قضاياه في كل زمان وفي أي مكان.
وها أنا ذا الآن أترك الوزارة وأفارقها بجسدي، ولكن القلب يأبى أن يفارقها.
أتركها وهي تحفل بالإمكانات وتزخر بالفرص..
أتركها وفيها من القيادات المتميزة الواعية التي ستحلق بالوزارة - بإذن الله - إلى آفاق أرحب وأوسع، وتنقلها إلى مستقبل واعد ومشرق، سلاحها في ذلك ما تملكه من خبرة وحنكة ومن تصميم وإرادة.
وإني إذ أشكركم وافر الشكر على هذا التكريم، فإنني أؤمن بأن التكريم الأبلغ هو في الانتماء إلى وطن شرفه الله بخدمة الحرمين الشريفين، مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، وموطن الحضارات، وطن يفخر ويعتز بقيادته الواعية الرشيدة، ويباهي بشعبه الأبي الكريم.
كما أنني أؤمن بأن هذا التكريم هو أوسع وأكبر من مقاسي، فلست سوى موظف قضى في خدمة بلاده ووطنه سنين طويلة، وأجد نفسي متوارياً خلف رواد هذه الوزارة وقياداتها السابقين والمعاصرين..
أتضاءل في مقابل عطائهم المتدفق.
وأصغر أمام زهدهم.
وأترسم خطاهم بالترفع عن التباهي بالإنجاز.. وكنت أشعر على الدوام، وكلما تقدم بي العمر، أن حجمي يتناقص أمام من سبقني ومن لحقني في هذا المضمار..
وهيهات هيهات أن أتمكن من اللحاق بخبرتهم وحنكتهم وكفاءتهم وحكمتهم.
لا يفوتني قبل أن أختم حديثي أن أؤكد لإخواني وأبنائي موظفي هذه الوزارة أن متطلبات العمل الدبلوماسي تقتضي من الجميع المزيد من الإبداع والعطاء، والابتكار والجودة في الأداء، لكي يتسنى الاضطلاع بمسؤوليات هذا العمل، والتعامل مع معطياته في ظل اختلاف الظروف الزمانية والمكانية، والتباين الثقافي والأيديولوجي بين الشعوب، وفي عالم يموج بالعديد من المتغيرات والأحداث السياسية المتسارعة.
كما تتطلب من الجميع بذل الجهود المضاعفة، واكتساب المزيد من المهارات الفردية العصرية، وتنمية الثقافة الشخصية وتطوير الخبرة الوظيفية، إضافة إلى بذل المزيد من الجهود في إطار العمل الجماعي، لكي تستمر مسيرة العطاء والتطوير والتحديث في هذه الوزارة ضمن منظومة التنمية الشاملة لحكومتنا الرشيدة، وللحفاظ على مكتسباتنا، وحماية مقدراتنا والمشاركة الفعالة في صياغة النظام العالمي بما يتفق وقيمنا الإسلامية، وتقاليدنا العربية الأصيلة.
كما لا يفوتني أن أقول للأجيال الصاعدة من أبنائي في هذه الوزارة، ومن واقع تجارب شخصية مررت بها.. أقول لهم..
احرصوا على ألا تفعلوا فعلاً في نهاركم تندمون عليه في ليلكم.. أو أن تعملوا عملاً في يومكم تخافون عواقبه وتخشون نتائجه في غدكم..
واحرصوا أن تناموا في كل ليلة قريري العين هادئي البال، مرتاحي الضمير..
لا تخافون ذنباً اقترفتموه..
أو نظاماً انتهكتموه..
أو قانوناً خرقتموه..
أو ظلماً ارتكبتموه..
أو إساءة مارستموها ضد أي زميل أو أي إنسان.
أخيراً فإنني أودعكم اليوم وداع من يدرك أن هذه هي طبيعة الحياة الوظيفية، بل سنة الحياة قاطبة، فلا تشبث بالمناصب والألقاب فهي لا تستمر، ولا بقاء على الكراسي فهي لا تدوم.. إنها سنة الكون، فلا بقاء لغير وجه الله ولا خلود إلا لملكوته..
أودعكم وداع من يعرف أن الخطى تلتقي وتتقاطع، وأن الأجيال تتوالى وتتعاقب، وأن الحياة تتجدد وتتواصل، وأن المسيرة لا يمكن أن تتوقف بغياب شخص أو أشخاص، ووعدي لكم بأنني سوف أبقى قريباً من كل فرد منكم، وأننا سوف نلتقي - إن شاء الله - في دروب هذه الحياة ومتاهاتها..
بالحب جئتكم قبل ستة وخمسين عاماً..
وبالحب أودعكم اليوم..
وبالحب ألقاكم.. ولو بعد حين..
طبتم وطابت لكم الحياة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* *
كلمة وزير الخارجية الدكتور إبراهيم العساف
الوزير العساف: مدني قدوة وأستاذ دبلوماسية ومرجع في تخصصه
ما بين شوال عام 1384هـ، حتى ربيع ثاني عام 1440هـ، 56 عامًا من العطاء والوفاء، كان عنوانها معالي الدكتور نزار بن عبيد مدني الذي نحتفي به هذا اليوم، بعد 6 عقود، قضاها في خدمة الدولة، 6 عقود من التمثيل المشرف للمملكة العربية السعودية في المحافل العربية والإسلامية والإقليمية والدولية.
لقد تدرج معاليه بالسلك الوظيفي من ملحق إلى قائم بالأعمال في سفارة خادم الحرمين الشريفين في واشنطن، ثم عمِل في مكتب وزير الخارجية وصولا إلى مرتبة سفير، ثم عضواً في الدورة الأولى لمجلس الشورى، وعاد إلى حُبه الأولي وهو الدبلوماسية كمساعد لوزير الخارجية بمرتبة وزير، ثم وزيراً للدولة للشؤون الخارجية.
يتمتع زميلنا وضيفنا هذه الليلة بمواهب عديدة ولكن لعلنا نتفق جميعًا أن موهبته الكبرى هي قدرته على جذب من يقابله أو يعمل معه إلى محبته وتقديره والإعجاب به.
معالي الدكتور نزار بن عبيد مدني، كان القدوة في موقعه، والدمث في خلقه، والأستاذ في دبلوماسيته، والمرجع في تخصصه، نستذكره اليوم صوتًا للحكمة في تمثيله لوطنه، منفذاً لسياساته، مترجمًا لتطلعات قياداته، تتلمذ على يديه أجيال من الدبلوماسيين، وأستطيع القول إننا بإذن الله لن نفقد نزار حتى وإن غادرنا اليوم لأن بيننا أبناء وتلاميذ له سيسيرون على الدرب ويكملون المسيرة.
الإخوة الأعزاء
يترجل اليوم أحد رجالات الدبلوماسية السعودية بعد مشوار حافل بالعطاء، كان الولاء شعاره، والوفاء نهجه، ولكن معاليه سيبقى لنا الأخ والصديق والناصح الأمين عبر إرثٍ عريق من الدبلوماسية الذي استقاه بلا شك، كحال بقية زملائه، ومنهم وزير الخارجية الحالي، من مدرسة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رحمه الله، الذي تشرفت بزمالته والتعلم منه.
شكراً معالي أبا عبدالله لجهدك، شكراً لتفانيك، شكراً لعطائك.
* *
كلمة متقاعدي وزارة الخارجية.. ألقاها نيابة عنهم السفير المتقاعد محمد الطيب
متقاعدو الخارجية: مدني كرَّس جهده وأمضى زهرة شبابه في خدمة دينه وملكه ووطنه
إنه لمن دواعي الاعتزاز والسرور أن أتحدث إليكم نيابة عن إخواني وزملائي السفراء المتقاعدين في هذه المناسبة البهية.. في ليلة باذخة من ليالي التكريم والوفاء لرمز من رموز وزارة الخارجية، ولقامة وطنية سامقة معالي الدكتور نزار بن عبيد مدني، على أثر ترجله عن صهوة مهامه الرسمية في الدولة بعد رحلة طويلة امتدت نحو خمسة وخمسين عاماً، كرّس جُلّ وقته وزهرة شبابه وعصارة فكره، وقد أعطى وما استبقى شيئاً من جهد وطاقة وإخلاص في خدمة دينه وملكه ووطنه وأمته.
وكان معاليه في كل محطات حياته العملية في جدة وواشنطن والرياض واجهةً مشرقة ومثلاً وضاء للوطنية وللدبلوماسية السعودية، يحتذى به في الصدق والأمانة والإخلاص في العمل ونكران الذات.
يغلب على شخصية معاليه التواضع واللطافة والأدب الجم والحياء واتشاحه بمسحة عميقة من الإيمان والاستقامة والتدين غير المعلن، مما جعله يعيش حياته في سلام مع ربه، وفي سلام مع نفسه، وفي سلام مع مجتمعه.
أسعدني الحظ وساقتني الأقدار الطيبة لأن أعمل عن كثب مع معاليه لما يقارب ثمانية وعشرين عاماً، منها تسعة أعوام مديراً عاماً لمكتبه قبل انتقالي لإدارة فرع الوزارة بمنطقة مكة المكرمة. لم أر في معاليه طيلة السنوات التي أمضيتها معه إلا الأخ الودود، والصديق الصدوق، والمعلم الأمين..
وجدت فيه إنساناً تتجسد فيه مكارم الأخلاق وعلى رأسها مخافة الله في السر والعلن.. عرفت منه أنه ليس صحيحاً أن الأمانة والصدق والتواضع والإخلاص هي قيم ومسميات لا وجود لها إلا في سير الأولين.
وجدت فيه المسؤول الذي يجهد نفسه في إسعاد الناس وتلبية حاجاتهم ورغباتهم. شهدت كيف كان يستغرق في التفكير لمساعدة الموظفين ولإيجاد حلول لمشاكلهم، صغيرهم قبل كبيرهم، وضعيفهم قبل قويهم، وفقيرهم قبل غنيهم.
يتمتع الدكتور نزار بفكر سياسي معمق ورؤية استشرافية للأحداث والقضايا السياسية، وكثيراً ما كان يبادر، على الرغم من ضغوطات العمل اليومي، بتقديم دراسات وتحليلات للقضايا والتطورات السياسية وتداعياتها على المنطقة والمملكة بصفة خاصة، ويضع توصياته التي ساهمت في كثير من الأحيان في تشكيل مواقف المملكة إزائها.
ولا شك أن هذه الشخصية المميزة ما كانت لتخطئها بصيرةُ وحصافةُ سمو الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - فاصطفاه وقربه إليه فور عودته من السفارة في واشنطن، حتى بات الدكتور نزار بمنزلة المستشار الأول والعضد الأيمن لسموه على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.
هذه ومضات سريعة من شخصية معالي الوزير الدكتور نزار مدني التي تحققت فيها نبوءة والده السيد الجليل عبيد مدني - رحمه الله - حينما نظم بيتين من الشعر عند ولادة ابنه نزار عبّر فيهما عن تنبؤاته لمستقبل هذا الابن فقال فيه:
بدَت لنزارِ في النبوغِ مخايلٌ
تَجلَتْ وضوحاً في السياسة والأدبِ
وسوف بإذن الله يبلغ مستوىً
يَشهدُ به التاريخُ في نهضةِ العَربِ
رحم الله السيد عبيد، أمدّ وبارك في عمر معالي الدكتور نزار بن عبيد مدني، وحمى الله قادتنا ووطننا من كل سوءِ ومكروه، ودام عِزك يا وطن.
* *
كلمة منسوبي وزارة الخارجية ألقاها نيابة عنهم المستشار إبراهيم بن عبدالوهاب الغريب
منسوبو الخارجية: تفانى بكل عزيمة واقتدار
نقف اليوم مودعين علمًا بارزًا من أعلام وطننا الغالي، وقامة شامخة من قامات وزارة الخارجية، ومثالاً يحتذي به كل دبلوماسي وجد في سيرته الصفات التامة والأخلاق الفاضلة كيف لا؟ وهو الدبلوماسي المحنك القادم من طيبة الطيبة، وهو من خدم الوطن لمدة تزيد عن ستة وخمسين عامًا من البذل والعطاء والتفاني بكل عزيمة واقتدار، معالي الدكتور، كنتم خيرَ قائدٍ مُوجه وخيرَ أخٍ ناصح لم يقصدكم أحد إلا وقد خرج مستنيرًا بنصحكم ومشورتكم، كل موظف في وزارة الخارجية القريب والبعيد من معاليكم بحكم العمل لمس فضلكم وتواضعكم ووجد في شخصكم الكريم كل الصفات التي زادته معرفةً بجوهركم الأصيل ومعدنكم النفيس، منكم تعلّم شباب هذا الجيل المعنى الحقيقي للإدارة والإرادة وفن العلاقات الإنسانية، وهذا الجيل ما زال يطمع في أن ينهلَ المزيدَ من تجربتكم الثريّة من خلال قراءة نِتاجكم الفكري والمعرفي، سنوات مرّت من عطاءكم المتميز قضيتموها بكل جد واجتهاد دون كلل أو ملل، ضربتم فيها أروع الأمثلة لرجل الدولة والمسؤول، تحملتم المسؤوليات الجسام وأديتم الأمانة على أكمل وجه، مثلكم لا يُنسى ونحن لا ننسى من شجعنا ووقف معنا في حياتنا الوظيفية. أعرف ويعرف زملائي أن لكم مواقف شخصية حفرت في ذاكرتنا لا يمكن للأيام أن تمحها، ما زلنا نذكر حرصكم على زيارة بعثات المملكة عندما تكونون في مهمات رسمية لحضور مؤتمر أو اجتماع، وطلبُكُم لقاء جميع موظفيها للاستماع لهم وتفقد أحوالهم ومعرفة ما لديهم. وهذه المواقف تركت كبير الأثر في نفسي ونفوس زملائي لإحساسنا بقربكم منا رغم حجم مسؤولياتكم، كل الكلمات والمعاني تقصر أمام وصف ما يختلج في قلوبنا ونحن نودعكم بعد سنوات عشناها معكم تعلمنا من معاليكم معنى حب العمل والاجتهاد والإتقان. معالي الدكتور نزار، كنا وما زلنا وسنبقى نحمل لكم فائق الاحترام ونتمنى لكم أطيب الأمنيات، وندعو لكم بالصحة والعمر المديد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.