د. خيرية السقاف
من السهل لمن يرغب في «قياس» أية ظاهرة، أو سلوك جمعي أن يقيسه الآن في ضوء
متاحات الانتشار، والتواصل..
مستوى الرضا، الرفض، الغضب، القبول، التدافع، الأخلاق، الوعي بقضية ما، التوجه الجمعي، السلوك العام، وحتى الفردي كل ذلك الوصول إليه أصبح يسيرا، لأن العينات العشوائية لم تعد تُحصى، والقصدية قريب الوصول إليها..
هناك من الناس الذين باعدت بينهم المسافات، والأزمنة عادوا بعد أن كانوا شبابًا، أو أطفالا فالتقوا وهم كهول، أو شباب..
لم يعد للباحث حجة «ندرة» العينة، أو صعوبة الوصول إليها..
في المتاح يستطيع عامة الناس، وليس مختصيهم فقط أن يحصدوا الكثير من السلوك الطارئ، أو المتجذر في مجتمع ما، والوقوف على حصاد التربية، وآثار التقاليد، ومواقف الأفراد منها أمام العيان لا تحتاج إلى كثير جهد إلا لمن يشاء أن يعنى بها في إطارات منهج، ودراسة مقننة، وإخضاعها لجدية صدقها، وثباتها، والخروج بنتائج أول أسسها قياسها على مسطرة جدية الموضوعية، والأبعاد المعرفية..
الشاهد لما أقول هذا الذي نقف عليه من خلال العينات «الألوفية» التي تعبر بنا كل لحظة في وسائل التواصل، وتجعلنا نقف مشدوهين عجبا، أو حيرة، أو سرورًا، أو غضبًا، أو حيرة، أو أسفًا، وربما خيبة مما يكون في مظاهر، وظواهر ما تفيدنا به أقوالهم، مواقفهم، أفكارهم، لغتهم، في عباراتهم، وأسلوب طرحهم، وفيض إفضاءاتهم، بل في جدلهم، وتعليقاتهم، وحواراتهم، طرحوه مكتوبًا، ومسموعًا، ومرئيًّا!!..
وحين نعبر بكل ذلك، تطرأ الأسئلة العديدة المتكررة بمفاجآت التناقض بين ما في الظن، وما في واقع ما يطرح هؤلاء يصل أحيانًا إلى درجة البذاءة، والتدني الخلقي، والهشاشة، والسطحية، والعنجهية، والتنابز، وسوء الظن، والفراغ، فنسأل: ما كانت تفعل مكائن المحاضن، والمدارس، والقدوة، ومراجع التأسيس؟!
كيف للمرء في غمضة عين أن يخرج عن مكنونه ما لم يكن له صوت، ولا رائحة، فإذا بالجو ملوث، والحسرة خيبة، والسؤال: من يبحث عن ظاهرة «تدني مكارم الأخلاق» فيمن ينتشرون عينات لبحوث لا أحسب أن قاصديها سيرتاحون أبدًا..!!