ميسون أبو بكر
بين وعي الإنسان وخاتمة حياته رحلة عمر بها ألف حكاية لقاء ووداع، صداقة وحب، ود وكراهية، ألم وسعادة، والإنسان شاهد على عصره، تتأرجح سعادته وحزنه بين الذاكرة والنسيان، ومن كل تلك الحكايات الناجحة أوالتي انتهت بالقطيعة نستخلص عبر وعبارات حكمة تبقى لتقرع في عالم الحياة تنير درب من يستعيرها من تجاربنا لتكون نبراساً.
حسب قراءاتي لم يبتعد الفلاسفة والكتّاب كثيراً في وصف الصداقة وإن تلوّنت عباراتهم وكان لكل منها دهشتها، فهؤلاء كانوا الأكثر تقديراً ووعياً بالصداقة وأثرها على سعادة الإنسان، فقد اعتبر أرسطو السعادة شرطاً ضرورياً لرغد العيش واعتبر الصداقة من الحاجات الإنسانية المهمة لتحقيقها على أن تكون صداقة فاضلة غير مشروطة ولا تقوم على المصالح وقد اعتبرها فضيلة خلقية.
حسب تعبيره الصديق أنا آخر.. وحسب الجملة الشهيرة للشاعرة فدوى طوقان: الصداقة انتصار من انتصارات الحياة ومكسب من مكاسبها» وما زلت أتذكر كيف احتفيت بهذه العبارة حين قرأتها للمرة الأولى وكأنها كنز عثرت عليه ولطالما رددتها أمام أصدقائي وأولئك الذين رجوت استمراراً أبدياً لصداقتنا كي أشعرهم بأهمية صداقتهم ومكانتهم لدي.
كل الخسارات الأخرى أقل ألماً من خسارة صديق، فالخسائر المادية تعوّض، وخسارة قريب يكمدها النسيان، إلا خسارة صديق احتل الفكر والقلب واخترناه طوعاً وقصداً.
في الماضي كانت أواصر الصداقة أشد ثقة وأعمق دلالة في زمن كانت تسود به القيم، والحاجة الإنسانية الملحة لرفقاء درب، وربما اختلافها اليوم والاستهانة بها سببه إيقاع العصر الذي اختطفته وسائل التقنية وانبهار الإنسان بها، وضياع وقته محاولاً اللحاق بها، وهو لا يدرك أنها أضغاث فضاء سرعان ما تكون هباء، وسرعان ما تتلاشى المخلوقات الفضائية في فضاء الإنترنت.
كم نحن بحاجة إلى صداقة ترسخ القيم الأخلاقية في نفوس تتوق لها، وكم نحن بحاجة لصديق يكون انتصارنا في مهب الخسارات المتلاحقة التي تسبب بها الإنسان لنفسه في زحمة التقنية والجري وراء المصالح وساحات القيل والقال.
ليس أكثر عذوبة من كلمات الشاعرة سعاد الصباح والتي صدحت بها حنجرة ماجدة الرومي .. كن صديقي
كن صديقي
كم جميل لو بقينا أصدقاء