أ.د.عثمان بن صالح العامر
يعلم الكل أن العمل الخيري في المملكة العربية السعودية كان خلال سنوات طويلة حكراً على جمعيات البر التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية - قبل أن تدمج هذه الوزارة مع وزارة العمل تحت مسمى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية - وكان دور هذه الجمعيات تقسيم الصدقات والزكوات التي تأتيها من أهل الخير وعناوين الصلاح والفلاح على الفقراء والمساكين حسب القوائم الموجودة لديها مسبقاً، وكذا جمعيات تحفيظ القرآن الكريم التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ثم صار التخصص الذي فرضته الحاجة وأملته متطلبات المرحلة وظروف العصر، وكان من قبل المسؤولين ومتخذي القرار التشجيع والمباركة، بل الحرص الشديد على تنوع تخصصات هذه الجمعيات وكثرتها، وما زال الأمر كذلك بل في ازدياد ولله الحمد والمنة.
ومن بين هذه الجمعيات المتخصصة التي لها رسالة سامية ودور مهم في مجتمعنا السعودي جمعيات التنمية الأسرية، فهي ذات صلة مباشرة بتأسيس هذا الكيان الرئيس في بناء المجتمع، ولها علاقة تماس مباشرة مع ضمان بقائه صحيحاً سليماً طوال مدة وجوده وإن طالت، على الرغم من عواتي الظروف وتعدد وتنوع المشاكل التي تكاد أن تعصف ببعض أسرنا خاصة الجديدة منها.
ولما للأسرة من دور رئيس في حماية المجتمع وسلامته، ولما لها من أهمية اقتصادية وفكرية وأمنية واجتماعية، ولكوننا نمر بمرحلة مفصلية في تاريخ البشرية تحتاج إلى توعية وتوجيه للزوج والزوجة على حد سواء حتى نقي كياناتنا الصغيرة ويلات عواتي الأفكار الضالة والتوجهات المنحرفة فإنني أهيب بأهل الاختصاص من أساتذة الجامعات والشرعيين والقضاة والتربويين والتربويات والباحثين الاجتماعيين والباحثات والأطباء النفسيين والمرشدات والغيورين والمصلحين المدركين لطبيعة ما يدور من أفكار منحرفة تهدد جيل اليوم بشكل مباشر بنين وبنات أن ينخرطوا في منظومة العاملين في هذه الجمعيات متبرعين بوقتهم وجهدهم ومزكين علمهم ومعارفهم من أجل وقاية الوطن وحماية فلذات الأكباد من كل ما هو طريق يوصل للتطرف والانحراف أياً كانت صورته وبأي اسم تسمى، ولضمان أسر ناجحة ناجية، سعيدة مسعدة، عاملة منتجة، فاعلة متفاعلة في كل ما فيه خير للوطن وسلامة للجيل.
كما أن هذه الجمعيات تحتاج إلى دعم مشاريعها النوعية وأفكارها الإصلاحية مادياً ومعنوياً، ومع أن حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لا تدخر وسعاً في الدعم المادي والمعنوي لهذا المحور الثالث من محاور التنمية المستدامة في بلادنا الغالية فإن الحاجة ما زالت قائمة في ظل اتساع أعمال هذه الجمعيات وتوسع نطاقها وكثرة ما يرد عليها من مشكلات وقضايا جراء ما لا يخفى من معطيات عالمية ومجتمعية جدت على مجتمعنا أثرت فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وربما كانت سبباً للنهاية المبكرة وكسر عش الزوجية الجديد بالطلاق الذي هو مؤشر من مؤشرات عدم الاستقرار المجتمعي كما هو معلوم.
إعلامياً يحتاج هذا النوع من العمل الخيري إلى تسويق وإشادة، وذلك لأهمية الدور الذي يقوم به، وربما لا يعرف الكثير من المواطنين والمقيمين ما لجمعيات التنمية الأسرية من رسالة سامية وأهداف غالية جراء الصورة الذهنية السلبية التي عشعشت في عقول شريحة عريضة منا لسنوات طويلة من أن كل ما هو خير خاص بالطبقة الفقيرة والمحتاجة وذات العوز.
إن ما ورد أعلاه لا يقلل ولا ينتقص من الجهود التي تبذلها هذه الجمعيات وغيرها في المملكة العربية السعودية ولكن الأمل أكبر، والجهد المطلوب أكثر فالمشاكل الأسرية تزداد، والطلاق ترتفع نسبته، وعدم التوافق بين الزوجين خطر يطل برأسه، وما يحاك ويراد ببلادنا الغالية لا يخفى على أحد منا، ونحن جميعاً يجب أن نكون حراس وطن وحماة عقيدة وجنود حق وخير لهذا الوطن المبارك المعطاء. حفظ الله ولاة أمرنا وحمى ديارنا وجمع كلمتنا وسلم أسرنا ويسر أمرنا وأصلح نياتنا وذرياتنا ووقانا جميعا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.