شريفة الشملان
قبل سبع سنوات نصبت خيمة كبيرة في أحد الشوارع العامة، لأن أحد أفراد قبيلة ما قتل فردًا من قبيلة أخرى بعد شجار بينهما. ولأن كلاهما كانا جنديين فكل يوجه سلاحه للآخر من يضغط الزناد أولا فهو القاتل، ولو أقل من لحظة سبقه الثاني لحدث العكس.
نصبت الخيمة وتداعى رجال القبيلة وجمع مبلغ خيالي. وأزيلت الخيمة بعد أسبوع واحد.
الناس هنا لا يتاجرون بدم ابنهم، ولكن شيء من ثارات الجاهلية ما زالت تدور. بالمقابل قبيلة القاتل تتداعى لدفع الدية وقتل القاتل يرونه تقليلاً بشأن القبيلة أن يقتل لها ابن بدم.
المسألة ليست سهلة ولا هي تتم بهدوء إنما تشحن لها عواطف ودعايات خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعية.
قد يتمادى البعض باستسهال هذه العملية خاصة الشباب الذي يدخل ميدان المعارك مسلحًا بالقبيلة خلفه. عندما يفور غضب الشباب، ويتجمع بعض أفراد قبيلة ما لقتل شاب من قبيلة أخرى.
القاتل كان مع سبق الإصرار والترصد بملاحقة القتيل مع مجموعة شباب من قبيلته وكأننا نعود لأيام الجاهلية، وما ذلك إلا يقينًا من هؤلاء الشباب أن القبيلة ستحميهم. وبالفعل أنقذتهم القبيلة.
هذه المشاهد تتكرر ما بين وقت وآخر، وهذه يحدها أمران هما:
أولهما: يحب أن تكون الأحكام قطعية والقانون يصنف القاتلين وأنواع القتل، هناك قتل الخطأ، وقتل المشاجرات الطارئة، وقتل الحوادث المرورية وهذه معروف قانونها وأحكامها واضحة.
القانون هو الذي يجب أن يكون سيد الموقف. والحكم لا ردة فيه والقاتل يقتل وهنا لا قبلية القاتل تهب لنجدته ولا قبيلة المقتول تبالغ في طلب الأدية، والقاتل العمد مع سبق الإصرار والترصد يجب أن يأخذ جزاءه.
الثاني: نحن في القرن الواحد والعشرين وما زالت القبلية لها تأثيرها وما زال التفاخر بها ينم عن أننا مازلنا مهما تحضرنا تجرنا العصبية القبلية بعيدًا عن القانون والدولة الحديثة، قد قال عنها رسول الله (ما بال دعوة الجاهلية، عندما تداعى الأنصار من جهة والمهاجرون من جهة أخرى فقال دعوها إنها منتنة). وفي خطبة الوداع قال علية افضل الصلاة والتسليم: (أيها الناس إن ربكم وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب).
وقبل أن أدعو للصرامة وأن تفرض الدولة نظامها على الكل وأن يكون القانون فوق كل العصبيات. يجب أن يوجد برنامجًا قويًّا ومنظمًا لتجاوز العصبيات القبلية والمناطقية والتحزب أيا كان شكله ونوعه.
هذا البرنامج يجب أن يكون عبر كل الوسائل الإعلامية والمعاملات الحكومية جميعها. وقد رأينا الكثيرين تأخذهم الفزعة لابن العائلة وابن القبيلة للتوظيف في دائرة. بحيث نجد أن بعض الدوائر أغلب موظفيها من أسرة واحدة أو قبيلة واحد. ولعل هذا ضرره كبير ليس على المواطن الذي لا ظهر له فقط، بل على الدولة ككل.. وهنا يجب أن تكون دائمًا الأحقية للجدارة لا للقبيلة ولا لمنطقة دون أخرى.
الموضوع كبير وعلماء الدين عليهم أن يطوروا أدوات خطابهم لبيان ذلك الذي نهى عنه رسولنا الكريم وديننا العظيم. التواصل والتواد والتراحم هي الأخرى عبادة كبيرة، لا للتفاخر بالأصل والفصل، ونبذ العصبية بكل أشكالها.
إن الفتى من قال ها أنا ذا
ليس الفتى من قال كان أبي
وسلامتكم والوطن من كل شر وضر.