منصور ماجد الذيابي
لقد ارتفعت تكاليف الحياة الاجتماعية إلى الحد الذي أثقل كاهل الكثير من الأفراد مما دفع البعض إلى ولوج نفق القروض التمويلية لأجل توفير كماليات فرضتها عليهم طبيعة الحياة في زمانهم مما جعلهم يسيرون في اتجاهات إجبارية تمضي بهم قدماً على خطى مجتمعاتهم المتمسكة بأعراف مستحدثة للوفاء بمتطلبات متعددة وجدوا أنفسهم مكبلين بطقوسها وقوانينها غير الموروثة غالباً من جيل الأولين، الأمر الذي جعلهم في سباقٍ محمومٍ مع الزمن وفي تنافسٍ محتدمٍ مع هواة ومحترفي المظاهر البرّاقة ما أجبر كثير منهم على مغادرة مضمار السباق وربما حتى الوسط الاجتماعي الذي ساهمت بعض عناصره في اختيار هذا السباق الماراثوني ليكون معياراً أحادياً للفوز بألقاب اجتماعية ومجاملات وشعارات مستهلكة شعبياً بالرغم من كون هؤلاء الأفراد يتسابقون وهم مكبلي الأيدي ومقيدي الأرجل بطقوس ومفردات وسط اجتماعي يتطلب البقاء ضمن حدوده والالتزام بأنماط حياته تكلفة مادية عالية لمجرد كسب الرضا الاجتماعي المغلف بأقنعة تبدو جميلة ولكنها لا تعكس خلفية المشهد بوضوح.
عندما يتخيلون الأرقام شبه الفلكية لتكاليف إقامة حفلات لمناسبات اجتماعية كالزواج مثلاً وما يترتب عليه من تبعات باذخة وما يتحتم القيام به في هكذا مناسبات من تحمل أعباء ثقيلة تشكل ضغطاً نفسياً وجهداً بدنياً وذهنياً، فإن البعض من أولياء الأمور من ذوي الدخل المنخفض وربما الدخل المتوسط قد يترددون في اتخاذ قرار يسمح لهم أو لأبنائهم الشباب بالزواج في سن مبكرة أو حتى متأخرة. فلماذا يتردد هؤلاء الناس ويمتعضون؟.. وكيف يمكن لنا تقديم المساعدة وحل المشكلة؟.
أرى أنه قد حان الوقت لمعالجة هذه الظاهرة الاجتماعية النمطية الاستعراضية قبل أن تمتد آثارها لأجيال قادمة إن كنا بالفعل نريد الخير لأبنائنا بما يسهم في تهيئتهم وإعدادهم إعداداً جيداً لتحمل مسؤوليات أخرى جسيمة تتعلق ببناء الأسرة في المجتمع وخدمة الوطن. ولأجل أن نبدأ في مشروع اجتماعي لتهيئة الشباب لتحمل مسؤوليات أكبر في المستقبل، فإن الخطوة الأولى في رحلة المستقبل تبدأ من مرحلة تكوين الأسرة. وحتى يكون الشباب مؤهلين لتولي مسؤولياتهم في هذه المرحلة فلا بد أن نعمل أولاً باتجاه محدد يفضي بنا إلى تيسير أمور اجتماعية كثيرة من أهمها مناسبة الزواج. وحينما نرسم الخطط المستقبلية لأجل أن نساعد الشباب في التخلص من شبح فاتورة تكاليف هكذا مناسبات، فسوف ينطلقون حينئذ نحو تحقيق أهدافهم العلمية والعملية بثبات وثقة واقتدار دونما قلق أو خوف من عدم قدرتهم على تذليل صعوبات الحياة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع تكلفة فاتورة تكوين أسرة جديدة يتطلب بقاؤها في الحياة توفير سكن ملائم، وتأمين طبي، ووسيلة نقل، وتعليم وعمل وغير ذلك من متطلبات الحياة التي تجعل من الأسرة عضواً فاعلاً في المجتمع وليس عبئاً عليه.
لا أطالب هنا بمعالجة هذه الظاهرة من خلال تقديم معونات مالية لتغطية تكاليف باهظة لمناسبات اجتماعية أو لأجل تمويل متطلبات أساسية لحياة كريمة، فالأولوية في الدعم الحكومي المالي ينبغي أن تعطى للراغبين في الزواج.. لكني لا أطالب كما قلت بالدعم مالياً وإنما تنظيمياً وإجرائياً ورقابياً بما يؤول إلى تخفيف الكثير من الأعباء عن كاهل الشباب ويدعم عملية ترشيد الإنفاق المالي باتخاذ سلسلة إجراءات وتدابير تُلزم الجميع بإلغاء بعض مظاهر الاحتفالات «الباذخة» مثل التباهي بسلوكيات معينة يعرفها الجميع، وتتعلق بالهدر والإسراف في بعض المناسبات والمهرجانات.
في هذا المشهد الاجتماعي نرى بعض الشباب في حالة بحث مضنية عن الديون لأجل تأمين متطلبات مجتمعهم وكسب رضا أعيانه وحكمائه، بينما نرى في الجانب الآخر من المشهد الاجتماعي مجموعات أخرى تتفاخر بالأرصدة البنكية وتتباهى بامتلاك أسطول من السيارات الفارهة والمقتنيات الثمينة وما إلى ذلك.. نرى أيضاً في هذا المشهد المزايدات والمباهاة بشراء سيارة أو جمل أو ناقة، وبأسعار خيالية جداً. نحن أمام مشهدين اجتماعيين متباينين يتباهى أفراد أحدهما بتلك المظاهر والأملاك في حين يتباكى أفراد المشهد الثاني على واقعهم ويتنافسون في الوصول إلى مستوى فئة المشهد الأول.
فضلاً عن الأسر محدودة الدخل، تتكبد الأسر متوسطة الدخل خسائر مالية كبيرة لا ينبغي أن تحدث مثلاً في مناسبات زواج لولا مجاراة البعض للآخرين من أفراد الأسر ميسورة الحال، إذ يلاحظ أن كل طبقة اجتماعية تحاول الوصول لمستوى الطبقة التي تليها في عدد المدعوين، وفي هدر الطعام، والمبالغة بأسلوب الترحيب، وسلوك الإنفاق غير المبرر على كماليات ومظاهر لم تكن يوماً معروفة لدى جيل السابقين خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم. فعندما نسأل كبار السن عن متطلبات إقامة حفلات الزواج في زمانهم ومقارنتها بمثيلاتها من مناسبات اليوم، ينتابهم شعور بالدهشة والذهول لما آلت إليه الأمور، حيث الفارق كبير والبون شاسع في التقاليد والتكاليف المالية إلى درجة أن يتمنى البعض لو يعود به الزمن إلى الوراء فيتزوج مثنى وثلاث ورباع اتباعاً لما ورد في آيات بيّنات من كتاب الله المقدس.
يرى البعض الحياة بأنها لهو ولعب، أو أنها مجرد صراع أو سباق محموم للوصول حتى إلى السراب. ويرى آخرون الحياة بأنها سفر، وسهر، وجمع أموال، واحتفالات لا تنتهي. هل يدرك هؤلاء الناس أن للفقراء حق في أموال الأغنياء، وأن الحياة توازن بين العبادة والعمل، وبالتالي فأيّ خلل في هذا التوازن سيؤدي حتماً إلى انعدام القيمة الحقيقية للحياة على الأرض؟.