عبدالعزيز السماري
الخداع ببساطة عمل يهدف إلى تضليل شخص آخر عن الحقيقة، بينما الكذب ينوي تضليل شخص آخر عن الحقيقة، وهناك أنواع من التبريرات الممكنة للخداع، المبرر الأول هو أن هناك نوعًا من الحق يمنحك واجباً، أو إذنًا للخداع، والتبرير الثاني هو الحياة، فالخداع مسموح به لإنقاذ حياة شخص ما، وإذا لم يكن الخداع لهذا السبب، فإنه لا يجوز أبداً.
وتم تبرير هذه المسألة في عدد من الطرق، فقال البعض إن الخداع جائز، لكن الكذب ليس كذلك، وزعم آخرون أن الكذب جائز أيضا، لا يزال آخرون يعتقدون أن الخداع من أي نوع هو دائما خطيئة كبرى، لكن أسوأ مراتب الخداع، هو ذلك الذي يستخدمه للوصول إلى أهدافه، وإذا وصل ظهر وجهه الحقيقي، وينتشر هؤلاء في كثير من الأعمال، وقد يصل بعضهم لكنهم مع تقدم الأيام تظهر حقيقة الخداع الذي يمارسونه في علاقاتهم مع الآخرين.
يقول أحد الفلاسفة أن الكذب عالمي، والكثير منا يفعله، وحسب قوله أن الشيء الحكيم هو أن نجتهد بتدريب أنفسنا على الكذب بحكمة؛ أن تكذب في شيء جيد، وليس شريرا؛ وأن تكذب من أجل مصلحة الآخرين وليس مصلحتك؛ وأن يكذب بأخلاق كما قال، وليس بشكل محرج وبصورة خرقاء.
من أهم مجالات الكذب والخداع في الدعاية والإعلان، فبعض المنتجات يُروج لها من خلال آليات تفبرك حقائق علمية لخدمة المنتج، فضلاً عن الأكاذيب التي يرويها، ويخدعها السياسيون من أجل تعجيل الحروب أو منع الحروب، وهناك أيضاً أكاذيب وأنصاف الحقائق في إعادة كتابة التاريخ، وتلك قد تأخذ دورات زمنية مطولة حتى تتضح الحقيقة..
تكمن المشكلة في أن السياسيين يوضعون في كثير من الأحيان بشكل مباشر في وضع يكون فيه قول الحقيقة أمراً صعباً، وقد يكون لديهم معلومات حساسة للسوق، قد يكون لديهم موقف تفاوضي سياسي لا يمكن الكشف عنه..
وقد يكون هناك معارضة بشأن قضية قد تكون محرجة أو مدمرة للاعتراف بأنفسهم، وقد يحملون معلومات قد تكون مفيدة إلى المنافسين الأجانب أو الأعداء، ولذلك في بعض الأحيان تكون الحقيقة الصلعاء غير مستساغة سياسياً، وبالتالي يريد السياسيون أن ينتخبوا أولاً ثم يعاد انتخابهم، ويخبرون الناس بأن ما يريدون سماعه عادة ما يكون أكثر فعالية من مواجهتهم بواقعية بائسة.
وبما أن السياسيين لا يستطيعون الكذب، ولأنهم غالباً ما يكونون غير قادرين على قول الحقيقة، فقد أصبحوا بارعين في وضع ملاحظاتهم في المستنقعات المربعة بين الأكاذيب والحقيقة، وتشكل أحد ظواهر السياسات الديمقراطية الحديثة، وهي الآن مستساغة تماما، لكنها ليست جديدة على الإطلاق، وقد كتب الدبلوماسي والفيلسوف الإيطالي نيكولاي مكيافيللي في كتاب «الأمير»، وهو أحد فلاسفة العلوم السياسية الحديثة، «الكلمات من حين لآخر تعمل على إخفاء الحقائق»..