د. محمد عبدالله العوين
في عام 1948م الموافق 1368هـ أخذ الملك المؤسس عبد العزيز -رحمه الله- عهدًا على حسن البنا ألا يخطب في الحج؛ بعد أن علم بتأجيجه وإثارته مشاعر العامة وتأكد من دور الإخوان المسلمين في الثورة اليمينية من خلال فرع الجماعة في اليمن؛ انطلاقًا للتغيير في الجزيرة العربية، وتحدث البنا إلى فهمي أبو غدير بمنعه من الخطابة حين طلب منه التجوال في نجد لبث أفكار الإخوان «ألا تعلم أن الحكومة السعودية لم تسمح لي بالحج هذا العام إلا بعد أن تعهدت بعدم الخطابة والكلام في السياسة؟ قلت: بلى، قال: فكيف تسمح لي بالدعاية للإخوان؟ « انظر مقدمة كتاب البنا «قضيتنا».
لا شك أن الملك المؤسس أدرك الخطر الداهم الكامن في أفكار البنا وأنه يستغل المفهومات الدينية لكسب عواطف الجماهير لضمهم إلى حزبه السياسي لقلب أنظمة الحكم والقفز على السلطة في كل بلد يستطيع إيصال أفكار الجماعة إلى شعبه، واليمن أكبر مثال على ذلك.
ومع الوعي الكامن بخطر الجماعة لم يقف الحذر القديم منهم من أن يتوجه الملك سعود -رحمه الله- إلى جمال عبدالناصر عام 1954م / 1373هـ بالتخفيف من الأحكام القاسية على قياديي الجماعة وحل حزبهم ومنعهم من العمل الفكري والسياسي؛ فاستجابت قيادة الضباط الأحرار إلى شفاعة الملك سعود وخففت الأحكام بالإعدام على بعضهم، وعادت الجماعة إلى نشاطها القديم؛ ولكن في السر أكثر من العلن، كان ذلك بعد حادثة منشية البكري الشهيرة التي تعرض فيها جمال إلى إطلاق الرصاص عليه في أثناء إلقائه خطابًا جماهيريًّا حاشدًا واتهم أحد أعضاء الجماعة بذلك، مما كان سببًا في أول مواجهة صدامية بين الجماعة وثورة الضباط الأحرار في مصر، وتم تنفيذ حكم الإعدام على واحد من أبرز قادتها، وهو «عبدالقادر عودة» وسجن الآلاف وهرب مئات إلى الدول العربية.
ثم كانت شفاعة الملك فيصل -رحمه الله- حين حدثت المواجهة الصدامية الثانية بين الجماعة وجمال وصدر حكم الإعدام على سيد قطب بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم فجر الاثنين 13 جمادى الآخرة 1386هـ الموافق 29 أغسطس 1966م؛ ولكن جمال أعلن عزمه على استئصال شأفتها ومطاردة أعضائها.
وفتحت المملكة أبوابها للفارين من أعضاء الجماعة والمحكوم على كثيرين منهم بالإعدام غيابيًّا، وهيأت للكفاءات المتميزة منهم فرص العمل في التعليم وغيره، وزاول كثيرون منهم الأعمال الحرة في التجارة والمقاولات، ووجدوا في السعودية الحضن الآمن الدافئ، ونعموا بحياة مستقرة، مستغلين الفطرة السليمة والعواطف الدينية النقية والبيئة المحافظة والشعور العميق بالارتياح إلى أي خطاب منطلقه الإسلام، ولم يكن سوء الظن واردًا فيهم لا عند الملك فيصل -رحمه الله-، ولا عند أفراد الشعب السعودي.
لكن الجماعة خانت كرم الضيافة وقابلت الوفاء بالغدر وسعت إلى تنفيذ مشروعها الذي فشلت فيه في مصر في البلد الكريم الذي استضافها وآواها...
يتبع