د. خيرية السقاف
من أثمن هبات السنين للمرء طول البال، والصبر على السؤال، والتأمل في المجال، وأخذ خفايا الأمور في الاعتبار حين تتزاحم الأفكار، ويشد عضده الوقت، ولا يجد المرء بدَّا من اتخاذ القرار، أو المثول في الموقف تعبيراً، وحضوراً، وتمثلاً، وقناعةً تخص، أو توجيهاً، وإقناعاً، وإنارة لآخر، أو لأكثر تعم..
السنون حقيقة، هي مدرسة تدريبٍ كلما اتسع زمنها طاب ثمرها..
تتفوق بدروسها عن أية مدرسة ذات جدر، وكتب، وأقلام، ومعلمين يتقدمون الصفوف، أو يشتركون في الحلقات!..
السنون رفيقة العظم رخواً في الأجنة، حتى اشتداده في القوة، حتى وهنه في الكِبَر..
تعطي بصمت، تعلم بأمثلة، تنبِّه بمواقف، تكشف الخفي ببراهين، تنشل الغرقى ببراعة،
توقِعُ النوايا المظلمة بأخطائها، تُجزي النقية منها بثمارها، تجاوز الغرَّ عن سقطاته بدروسها، تقيم المنقض بزلاته بخبراتها..
السنون، تتراكم بكل معطياتها في الذهن، والعقل، والإحساس، تتمثَّل في الكلمة التي تنطق، والبسمة التي تظهر، والألم الذي لا يتكلم، والسرور الذي يستبشر، والنأي عن الغوغاء، والمثول عند الحاجة..
كلما تقدمت هذه السنون بالمرء زادته حكمة، وأوغلت في صمته، وغربته، وهدوئه، وسكينته، وقدرته على إعطاء خلاصات ذات نكهات مميزة، مدار دهشة، ومثار عجب!!..
السنون في الإنسان حين تعبر لا تفنى، ولا تتبخر، إنها تتراكم تكبر، تنمو، تُزهر، تُثمر ما لا يملكه غير الذي تستقر في جسده، وعقله، وقلبه..
أوَ لا يحرك رأسه كل من يصغي لحكمة مسن حين يتلقى عنه رأياً، أو يخرج من مأزقه بأدلته، وبراهينه، أو يجد طريق نجاته عن مؤشر بوصلة هذا المسن؟!..
فالمسنون وهم صامتون، في داخلهم مرجلٌ لا يهدأ للحكمة، وصوت يتململ في كمونه يريد أن يقول لكنه لا يقول، إلا حين يطلب إليه أن يقول!!..
ترى لو أن الناشئة يدركون القيمة الفعلية لهذه المدرسة في باطن كبارهم، أيلقون عليهم تحية الصباح والمساء سريعاً، ولا يلجون أبوابها، ولا يعرجون إلى حجراتها، ولا ينصتون لخبراتها؟! حتى إذا أفضت أرواحهم إلى بارئها تباكوا جميعهم وهم يندبون عليهم!!..
مدرسة المسنين مشرعة ما للسنين من ديمومة..