عروبة المنيف
أثبتت الدراسات الحديثة المتتالية، بأن قلة النوم وعدم انتظامه يتسبب في اضطراب «الساعة البيولوجية» للإنسان، ما يؤدي إلى إصابته باعتلالات صحية لا حصر لها، منها على سبيل المثال، اتخاذ الإنسان لقرارات خاطئة، حيث ينخفض نشاط الجزء الأمامي من الدماغ المسؤول عن اتخاذ القرارات والتحكم، هذا بالإضافة إلى أن التأخر بالنوم «السهر» يثير الرغبة في تناول الطعام وعلى الأخص تلك الغنية بالنشويات والسكريات والدهون، حيث يزداد إفراز الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الشعور بالجوع والشبع فيزداد الوزن.
لقد ازداد الاهتمام مؤخراً بالدراسات المرتبطة بتنظيم «الساعة البيولوجية» للإنسان وأهمية توقيت النوم والصحو، وذلك بعد الإعلان عن فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل لعام2017، بفضل اكتشافهم مجموعة من أسرار عمل «الساعة البيولوجية» التي تشمل آليات جزيئية تتحكم بعمل تلك الساعة عند الإنسان.
وما لا يدعو مجالاً للشك فإن للثقافة المجتمعية تأثيرًا سلبيًّا أو إيجابيًّا على تلك «الساعة البيولوجية». فأسلوب الحياة السائد له دور حيوي في إحداث خلل أو إصلاح لآلية عمل تلك الساعة. فثقافة السهر لدينا على سبيل المثال التي تبلغ ذروتها في الإجازات وفي عطلة نهاية الأسبوع، تؤثر على «الساعة البيولوجية» ليصبح عودة انتظامها متعسراً، فسهر ليلة من الممكن أن لا يؤثر بشكل ظاهر كما لو زاد ذلك عن ليلتين أو أكثر كما يحدث بعطلة نهاية كل أسبوع أو بالإجازات!
إن أهمية «الساعة البيولوجية»، ينبع من إيقاعها الذي يعتبر مؤشراً لخلايا الجسم بأن تتصرف بوتيرة معينة، فالجسم يحوي هرمونين لهما علاقة وطيدة بالنوم، أحدهما هرمون الكورتيزول الذي تفرزه الغدة الكظرية والآخر هرمون الميلاتونين الذي تفرزه الغدة الصنوبرية، والعلاقة بين إفرازهما يساهم في إصلاح «الساعة البيولوجية» لدينا؛ فمستوى الكورتيزول بالدم ينخفض ليلاً ليرتخي الجسم وينام، ويرتفع مستواه في الصباح لأنه هرمون النشاط، الموقظ من النوم للبدء بالعمل. أما هرمون الميلاتونين، هرمون النوم، يرتفع مستواه ليلاً ليسترخي الجسم. والغدة الصنوبرية المسؤولة عن إفرازه لا تعمل بكفاءة في الضوء والإنارة، لذلك ينصح دوماً بأن ينام الإنسان في الظلام الدامس.
وأضيف أيضاً خاصية هامة «للساعة البيولوجية»، إنها خاصية التخلص من السموم في الليل. فالجهاز اللمفاوي يتخلص من سمومه من الساعة التاسعة ليلاً إلى الحادية عشرة ليلاً، والكبد يتخلص من سمومه من الساعة الحادية عشرة ليلاً إلى الساعة الواحدة صباحاً، والرئة تتخلص من سمومها من الساعة الثالثة فجراً إلى الساعة الخامسة صباحاً، والقولون يتخلص من الفضلات عند الخامسة صباحاً أيضاً. فالجهاز المناعي يصبح في حالة فوضى ويتعرض الإنسان للأمراض الخطيرة كالسرطانات عند اضطراب الهرمونات والغدد الصم نتيجة عند عدم انتظام ساعات الصحو والنوم.
إن وزارة الصحة ترفع دوماً شعار «الوقاية خير من العلاج»، وبرامجها الوقائية كثيرة ومتنوعة، منها برنامج «عدل عاداتك» الذي أطلقته الوزارة بمناسبة اليوم العالمي للسكر، والارتباط بين اختلال «الساعة البيولوجية» ولأمراض العصرية الخطيرة أصبح واقعاً. لذا اقتراحي على الوزارة أن تقوم بحملة وقائية تضاف لحملاتها الوقائية الأخرى بعنوان «نم مبكر وقم مبكر وبصحتك لا تفكر». وهنا نعيد صياغة ما صدحت به سيدة الغناء العربي أم كلثوم ونغني «وقد أطال النوم عمراً، وقصر بالأعمار طول السهر».