محمد بن إبراهيم الحسين
الجزيرة العربية هي فردوس الأرض الأقدم ومهد البشرية الأول ومنها انطلقت الهجرات البشرية الأولى، والعرب هم أسلاف الإنسان، واللغة العربية هي أم اللغات، وبلاد العرب هي موطن أولى الحضارات في التاريخ؛ حيث تتوالى المكتشفات التي تثبت أن الجزيرة العربية كانت أنسب البيئات للعيش، وأفضل المواقع للحياة على الأرض، حيث كانت غابات ومروج تجري فيها الأنهار التي ترفد آلاف البحيرات، عندما كانت الثلوج تغطي أراضي أوروبا، والمستنقعات تغطي أراضي إفريقيا. وأنها رحم البشرية، والمنطلق الرئيسي للهجرات البشرية إلى شتى أنحاء الأرض. وأن الحضارات العربية هي أقدم الحضارات البشرية، والموطن الأول لاستئناس الخيل والجمال. وأن لغة العرب هي أم اللغات كافة. حيث إن بلاد العرب هي الأوسط مكاناً بين قارات الأرض، فهي قلب العالم، تتوسط قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا وأوروبا والأمريكتين. والعرب هم الوسط شكلاً بين جميع الشعوب، فصفاتهم هي القاسم المشترك بين الآسيوي والإفريقي والأوروبي لأنهم منحوا جيناتهم للجميع..
يقول المستشرق هايوود: (العرب في مجال المعجم يحتلون مكان المركز، سواءً في الزمان أو المكان، بالنسبة للعالم القديم أو الحديث، وبالنسبة للشرق أو الغرب).
منذ مئات الآلاف من الأعوام إلى نهاية العصر الجليدي الأخير قبل حوالي 15 ألف عام كانت الجزيرة العربية أنسب البيئات للعيش على الكرة الأرضية وأفضل المواقع للحياة على الأرض، حيث كانت مناطقها غابات ومروج تجري فيها مئات الأنهار التي ترفد آلاف البحيرات، في الوقت الذي كانت فيه الثلوج تغطي أراضي أوروبا، والمستنقعات تغطي أراضي أفريقيا، فعندما كانت أراضي أوروبا تقبع تحت طبقات من الجليد يصل سمكها إلى أكثر من كيلومتر، وكانت أراضي أفريقيا تغطيها المستنقعات، كانت أراضي الجزيرة العربية تغطيها المروج الخضراء والغابات التي تروى بأمطار غزيرة، وتحتوي أراضيها على آثار نحو (7) آلاف قاع من قيعان البحيرات الجافة، وعلى مجاري لأنهار قديمة كانت تمتد لمئات الكيلومترات، لترفد تلك البحيرات، وكانت الأنهار تجري لتصب في بحيرات كبيرة في ما سمى بـ»الربع الخالي» تموج من حولها المروج، وتزدهر على ضفافها الحضارات. وقتها كانت تلك المناطق أنسب مكان للعيش على وجه الأرض. وبنهاية العصر الجليدي الأخير قبل حوالي 15 ألف عام ذابت الثلوج الهائلة التي كانت تغطي شمال الكرة الأرضية، فغرقت مناطق كثيرة من الأرض تحت المياه، وحدث فيضان كبير غمر أراضي مناطق «الهلال الخصيب»، وانهالت المياه من جميع الجهات على وادي «عدن» فتحول إلى بحر سمي بـ»الخليج العربي». وبعد انحسار المياه أصبحت منطقة «الهلال الخصيب» خصبة نتيجة الطمي الذي جرفته مياه الفيضان. وتغير مناخ الأرض، حيث اعتدل المناخ في أوروبا فتحولت أراضيها إلى مروج، بينما ارتفعت حرارة الأجواء في الجزيرة العربية فتبخرت الأنهار والبحيرات وماتت الأشجار واندرست الأعشاب وتصحرت الأراضي. ونتيجة الجفاف الذي ضرب الجزيرة العربية بدأت هجرة الشعوب السامية العربية منها، فتدفقت موجات (الكنعانيين والعموريين والاكديين والبابليين والاشوريين والآراميين والكلدانيين) من جزيرة العرب إلى مناطق «الهلال الخصيب»، حيث استقروا، واكتشفوا الزراعة، وأنشأوا حضارات فجر التاريخ القديمة. وبعد تحول حوض الترسيب العربي إلى الخليج العربي، وقبل الألفية الثامنة قبل الميلاد، تحولت آخر المناطق الرعوية في شبه الجزيرة العربية إلى مناطق صحراوية. وكان البشر الأوائل قبل ذلك قد ارتادوا الجزيرة العربية وسكنوها منذ مئات الآلاف من السنين. إن اكتشاف تمثال حجري كبير يجسد حيوان «ايكيد» وهو أحد الحيوانات التي تنتمي لفصيلة (الخيلياتفي موقع عاش فيه البشر قبل أكثر من (10) آلاف عام يثبت بأن الجزيرة العربية شهدت تدجين الحيوانات لا سيما الخيول للمرة الأولى خلال العصر الحجري، فإذا ما أضفنا لذلك حقيقة أن استئناس الجمال كذلك تم على أراضيها أيضاً؛ هنا نصل لحقيقة دور الإنسان العربي القديم في بلورة الحضارة العالمية، حيث إن ترويض الجمال والخيول هو بمثابه قفزة حضارية هائلة تماثل اختراع العجلة في العصور القديمة أو وسائل النقل في العصر الحديث. حيث أصبح ممكناً تبادل المعارف والعلوم والاحتكاك بين الثقافات، وسهولة تنقل البشر وانتقالهم إلى أماكن بعيدة، ونقل السلع والبضائع إلى شتى بقاع الأرض. وقد عثر في السعودية على أقدم عظم بشري يعود تاريخه إلى ما قبل حوالي (90) ألف عام. واكتشفت بعثات التنقيب الأثري أن تاريخ الاستيطان بموقع (طعس الغضاة) بالقرب من تيماء يعود إلى نحو (325) ألف عام. وتم العثور في موقع آخر على أدوات حجرية مثل المكاشط التي يقدر تاريخها بأكثر من (50) ألف عام، وتثبت هذه الأدوات بأن الجزيرة العربية كانت مكاناً مألوفاً لاستقرار الإنسان على مدى عشرات الآلاف من السنين. وتضمنت دراسات مشروع الجزيرة العربية الخضراء مواقع لبحيرات قديمة في صحراء النفود والربع الخالي ومؤشرات ترجح بأن تاريخها يزيد عن مليون عام. ويؤيد تلك المكتشفات والدراسات ما ورد في حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً).
كما أن كمال اللغة العربية، وقدمها الذي لم يتم تحديد بداياته، يدل على أن تلك اللغة لشعب قديم صُقلت حضارته ولغته على مر العصور.. حيث يقول أحد المستشرقين الغربيين في وصف اللغة العربية: (اللغة العربية معجزة الذهن البشري، وأعجوبة التاريخ في عصوره كلها، وإذا كان التاريخ يذكر ولادة كل لغة، ويعرف مراحل نموها، ومدارج اكتمالها، فإن العربية أقدم قدمًا من التاريخ نفسه، فلا يعرفها إلا كاملة النمو، بالغة النضج).