عبدالوهاب الفايز
استكمالاً لحديث الأسبوع الماضي، اليوم نرى جانبًا إيجابيًا للتبدل الكبير المتوقع في طبيعة الوظيفة الحكومية مع توجه وزارة الخدمة المدنية لإنجاز مبادراتها لـ (إعادة هندسة) البيئة المحيطة بالوظيفة الحكومية بما تشمله من حوافز وممكنات التأهيل والتدريب والشفافية، لتكون البيئة مساعدة للموظفين لتقديم مهاراتهم وإبداعاتهم.
هذا التحول سوف يغير (الصورة الذهنية) الأقرب إلى السلبية عن الوظيفة الحكومية، لتكون النموذج الإيجابي الذي يحتذى، كما يتطلع إليه، بل يراهن عليه، وزير الخدمة المدنية الأستاذ سليمان الحمدان.
البرامج والمبادرات التي تطرحها بين يدينا (رؤية المملكة 2030) تضعنا أمام حقيقة وهي: الموظف الحكومي ولسنوات قادمة سيكون هو الأساس الذي يقوم عليه تنفيذ مشاريع ومبادرات الرؤية، مهما نفذنا من برامج للتخصيص. هذه الحقيقة تستدعي (النظرة الإيجابية) للوظيفة العامة، والنظر إليها على أنها تقدم فرصة ولا تعكس مشكلة، وأيضًا تتطلب الاهتمام بالموظف الحكومي لاعتبارات إِنسانية واجتماعية واقتصادية.
إِنسانيًا، يظل من مسؤوليات الحكومة تكثيف برامج التأهيل والتدريب للموظف الحكومي، بالذات رفع المهارات المعرفية والسلوكية الاجتماعية المتقدمة مثل (الذكاء الاجتماعي والعاطفي)، وهذه ستكون من ضمن المتطلبات الأساسية لتكوين رأس المال البشري والاجتماعي، والحكومات في القرن الحالي مطالبة بـ (إنشاء عقد اجتماعي جديد) يستوعب المتغيرات الرئيسة المتسارعة، بالذات في جانب التطبيقات الرقمية ومنتجات اقتصاد المعرفة، فهذه المتغيرات سوف تترك آثارها على طبيعة ممارسة الأعمال والوظائف المكتبية التقليدية. البرامج الحكومية من مسؤوليتها مساعدة الموظفين لتنمية مهاراتهم ومعارفهم حتى لا يشعروا بـ (الاغتراب والإحباط) من بيئة العمل.
البعد الاجتماعي لاستقرار الوظيفة الحكومية يتطلب عدم إخضاع الوظيفة الحكومية للمقاييس والاعتبارات المالية الصارمة. لا أحد ينكر حقيقة تضخم الجهاز الحكومي. هذا الضخم حالة شائعة في الاقتصاد المعاصر وفِي الكثير من الدول، وحتى في بعض الدول الصناعية. بالنسبة لنا، الذي نراه هو أن موظفي الحكومة، بالذات من هم في منطقة الوسط.. هؤلاء وضعهم مهم لاستقرار الجهاز الحكومي ومهم تمكينهم ومساعدتهم. لقد أصبح لهم دور إنتاجي آخر في المجتمع لا أحد يراه أو يثمنه وهو ضروري لاستقرارنا. إنه دور الراعي والحاضن والموجه للأسرة والأبناء، وهؤلاء عادة يتخلون عن متطلباتهم وتطلعاتهم في الحياة لينفقوا مواردهم المالية على احتياجات أسرهم. إنهم أحد مصادر توزيع الثروة الوطنية، وهذه من ثمار الوظيفة العامة.
أما في الشق الاقتصادي، أي ضرورة تعظيم الفائدة من الموظف الحكومي، فهذا نرجو أن يتحقق في المشروع الوطني لتطوير أداء ومساهمة الموظف الحكومي حتى يجعلنا مستعدين لاحتمالات وتطورات المستقبل، وهذا ما تخطط له وزارة الخدمة المدنية عبر إدخال المفهوم الواسع لإدارة (الموارد البشرية) في القطاع العام. من مصلحتنا الوطنية تكثيف برامج التدريب والتأهيل التي تعد الموظف للعمل في البيئات الرقمية الجديدة، خصوصًا إعدادهم لاستيعاب التداعيات والربكة الواسعة في بيئة العمل العام والخاص، فهناك وظائف سوف تختفي تمامًا.
العدد الكبير من الموظفين يشكل فرصة إيجابية، وليس مشكلة فقط. العالم يتجه في برامج التكيف الاقتصادي إلى قطاع الخدمات، والقطاع الحكومي قطاع خدمات، وهنا الفرصة التي تتطلب الإبداع والكفاءة في إدارة الاقتصاد. هنا نسوق مثالاً من عشرات الأمثلة: التفكير الجاد في إنشاء (بيئات عمل رقمية مشتركة) تخدم القطاع العام أحد الحلول لتعظيم الفائدة من موظف الحكومة.
الآن الكثير من القطاعات الحكومية تتوسع في الخدمات الرقمية، وتقدم الخدمات الرقمية من المؤشرات المعاصرة المهمة لقياس كفاءة أداء الوزارات. وسهولة التطبيقات الرقمية وتعود الناس عليها كسر الحاجر النفسي والمهاري المخيف للتعامل مع التقنية، وهذا يسهل ويسرع الاستفادة من الموظف الحكومي.
الأمر المهم الآخر الذي نراه لمشروع إصلاح وتطوير الوظيفة العامة هو اتجاه الحكومة إلى خطة تستهدف (تكافؤ الفرص) بين الموظف العام والخاص. المجتمع الذي يحرص على هذا الهدف الإِنساني يعطي الفرصة لمواطنيه لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، ويصبح أكثر استعدادًا لمواجهة المستقبل، وهذا المهم.
مع انكشاف الأطماع والمصالح الدولية.. بلادنا تحتاج كل خطوة تؤدي إلى تقوية وبناء الجبهة الداخلية.