أمل بنت فهد
أنت مضطر لأن تغفر، أتدري لماذا؟ لتتمكن من العيش، من أجلك أنت ولن أسرد لك قائمة بالمثاليات، وفضل التسامح، والتعايش، إنما سأخبرك ماذا فعل ولا يزال يفعل بك الجرح الغائر والحائر في داخلك، بين تجاهل الألم، والشفاء وأنت تفتحه بالتذكر كلما بدأ يلتحم بفعل الوقت وتقادمه، فالذي يحدث أن الألم المتراكم من الخيبة أياً كان سببها، يتحول مع الوقت لغضب ملتهب، غاضب أنت على نفسك لأنها لم تأخذ حقها بعد، ولم تنتقم، ولم تواجه، لأنها جامدة في توقيت الانهيار، وغاضب ممن تسبب لك بكل هذا الوجع، إنه جحيم يكبر ولا يصغر، عصي على النسيان لأنك لم تحسم أمره بعد، وقد يعيش معك عمراً، وقد تموت به.
قرأت مرة أن المغفرة هي التخلي عن الألم، وأظنه التوضيح الأكبر لقضية محورية يمكنها أن تدمرك أو تحررك، لكن السؤال الآن كيف تتخلى عن الألم وهو يسكنك، ومتجذر بك!
عليك أولاً أن تسامح نفسك على موقفها الذي لم يأخذ حقك في حينه، وأنها لم تكن قوية بما يكفي لتقف في وجه من ظلمك، أو جرحك، لا بد أن تحترم ضعفها، وتؤمن أنها قدمت أفضل ما لديها في ذلك الوقت، وأمام ذاك الحدث، وإن كانت شُلت ولم تقدم غير الصمت، فإنها فعلت وانتهى، فاحترام الضعف الإنساني أنت أولى به، ولا بد أن تمارسه مع نفسك لتتمكن من ممارسته مع الآخر، فمن لا يستطيع أن يسامح نفسه، قطعاً سيكون عاجز عن مسامحة غيره، اغفر لنفسك تراخيها، اغفر لها هشاشتها، اغفر لها تصنع القوة، فهي صنعة الانسان التي تورط بها منذ ولد، لأنه يخاف مواطن الضعف، ويخشى التعري من القوة، فقد كبر وهو يظن أن الضعف عيب، رغم أنه حالة طبيعية سيمر بها، كما مرّ بها من قبل كثيراً يوم كان طفلاً ويحتاج العون، والمساندة، والحب، والرعاية، ويستقبلها بكل فخر، لكن بعد أن كبر كره طبيعته الاجتماعية، وأراد أن يكون بطلاً في كل حين، مع أن الضعف في مواطن يعتبر بطولة الإنسانية في وجه التصحر العاطفي، والجفاف الأخلاقي.
بعد أن تسامح نفسك، ستجد أنه باستطاعتك أن تواجه خصمك، وأن تخبره بما سببه، وتلومه، وتشرح وجعك بكل قوة، وقد تصل لمرحلة أعظم، سوف تُشفى دون الحاجة لفتح الدفاتر القديمة، ستحرقها بما فيها من إدانة، ستتخلص منها لأنك تعيش خلاصاً من مرحلة معلقة، ومن القدم أن تكون منذ الطفولة.
جرب جنة المغفرة، وانطلق بحياتك فإنها أقصر من الانتقام، عش ما حرمت منه نفسك، فإنها تستحق.