عامٌ مضى ونحن ننهل من العلوم والطرائق والاستراتيجيات من كل تعليمٍ ذاع صيته وحسنت مخرجاته. وها نحن نعود إلى بلادنا تغمرنا الفرحة، شوقًا لها ولهفة لتطبيق ما اكتسبنا من معرفة.
ما أزال أذكر لهفتي لخوض تجربة برنامج خبرات، التي ازدادت عندما علمت بترشيحي إلى ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نظرًا لتميزها تعليميًا ولنظامها التربوي الذي جعلها ضمن قائمة الولايات العشر الأوائل في جودة التعليم.
لقد رسمت في مخيلتي قبل بداية برنامج خبرات معلمين خياليين، يُحيطون بكل شيء علمًا. لا همّ لهم سوى أولئك الطلاب النموذجيين الذين أوتوا العلم والحكمة ومواضع الكلم. لم يدر بخلدي أن أرى معلمًا يُخطئ أو يتلعثم أو لا يملك معلومة ما عن مادته. وإلا لماذا تقبع أمريكا في مصاف دول العالم؟ ما التركيبة السرية التي جعلتها دولة عُظمى؟ لماذا يتخرج الطالب من الثانوية وقد حدد مستقبله الأكاديمي وأهدافه واهتماماته وطموحاته؟
إنه النظام التعليمي. فلا المعلم وحده ولا المرشد ولا المناهج ولا المدير وحده. بل هي منظومة تربوية متكاملة، لكل عضو فيها مُهمة مدروسة بعناية. تُعد هذه المنظومة كفيلة بتزويد الطالب بما يحتاج (وليس ما يريد)؛ ليُصبح عضوًا فعالاً في المجتمع، وليخدم بعد ذلك بلده بكل ما أوتي من علم ومعرفة.
يُعامل النظام التعليمي الأمريكي الطالب على أنه فرد مسؤول فعّال في المجتمع، وكما أن له حقوقًا فإن عليه واجبات. وكذلك يُعلمه دقائق الأمور التي يحتاجها عمليًا في حياته، كنظام الضرائب ونظام مجلس الشيوخ والمحاكمات وما إلى ذلك من تفاصيل حياتية مهمة.
ولا عجب بعد ذلك بأن نرى الشاب الأمريكي واعيًا مُدركًا لما حوله من أنظمة وقوانين، وهذا ليس في المجمل فحسب، بل هو على معرفة تامة بأدق التفاصيل. لا عجب بأن نراه حاملاً للمسؤولية وأهلاً لها، فهو يعلم يقينًا ما سيحل به من بؤس إن كان غير ذلك. والفضل في خلق هذه العقلية المستنيرة النامية ليس للمعلم وحده، بل للمنظومة المتكاملة التي تضمن معلمًا ذا مسؤولية، ومبانٍ ومناهج واقعية عصرية جاذبة، ومرشدًا وقائدًا وإداريًا يعملون لأجل الطالب، أو بالأصح لأجل وطنهم.
لا بد أن يُغرس هذا المفهوم في أذهاننا. لا بد أن نعلم يقينًا أننا عندما نُعلم أو نسهم في تعليم طالب حرفًا؛ أننا نسهم في رفعة وطننا ونصرة ديننا؟