خالد بن حمد المالك
ليست مصادفة أن تخرج في شوارع ومدن السودان مظاهرات تشكو من الوضع الذي تمر به البلاد اقتصادياً، وأن تعلن الحشود الكبيرة عن عدم رضاها أو قبولها بالحلول المطروحة سواء قبل المظاهرات أو بعدها، وأن ينقسم الشارع الهادر بين من هو مع النظام ومن هو ضده، فالشعب السوداني تسيّره أحزاب يقرها القانون، والمظاهرات السلمية جزء من ثقافة السودانيين.
* *
ومع أن المظاهرات في السودان وغير السودان، عادة ما تبدأ سلمية وهادئة وسلسة، ثم إذا بها تنحرف عن مسارها ويصاحبها شيء من العنف والتخريب أحياناً ما لم تسارع الأنظمة في احتوائها، خاصة إذا كان هناك مندسون كثيراً ما يركبون موجة المظاهرات، ويستغلون وجود ثغرات لتمرير أجندتهم، سواء بتوجيه خارجي، أو رغبة في الاستيلاء على السلطة، كما حدث في مصر، فقد استغل تنظيم الإخوان المسلمين المظاهرات الشعبية العارمة لإسقاط نظام حسني مبارك، فسرقوا الثورة وحكموا مصر لسنة واحدة قبل قيام الجيش بإزاحتهم.
* *
وما كنت أخاف عليه في بلدان عربية أخرى دفعت ثمناً غالياً بسبب المظاهرات الشعبية غير المنضبطة، لا يحضر لدي هذا الخوف مع المظاهرات السودانية، فالشعب السوداني قادر على إيجاد الحلول، دون أن يخرِّب المنجزات التي أنجزت على مدى عقود من الزمن، وإن وجد في صفوفه من لا يعطي أهمية لتجنيب المنشآت العامة والخاصة من التخريب، فعلى العقلاء أن يردعوا هؤلاء، ويحولوا دون إفساد ما تم بناؤه على مدى سنوات طويلة.
* *
الحوار هو الطريق الصحيح لإصلاح الوضع في البلاد، ويجب أن يكون هو سيد الموقف، حوار عاقل بين النظام والجماهير الغاضبة، لا يغيب فيه مبدأ التنازلات من الطرفين، فليس هناك من يملك القوة منفرداً لكسب معركة الشارع الثائر، والجميع شركاء في إخراج السودان من أزمته، والبحث عن معالجات وحلول حقيقية تنقذ السودان الشقيق من أزمته، وتحول دون تفاقمها، لا عن وعود لا تتحقق على أرض الواقع.
* *
لا أريد أن أتدخل في شأن سوداني داخلي، فما يجري في الخرطوم وأم درمان ومدن أخرى، هو خيار سوداني بحت، وهم أدرى بمصالحهم ومصلحة بلادهم، وعلى نظام البشير أن يتعامل مع المظاهرات بما يحفظ أمن واستقرار البلاد، وعلى الجميع النظام والمتظاهرين مسؤولية منع إراقة الدماء، وتجنب أي تصرف يلحق الإضرار بمصالح البلاد، أو يجرها إلى فوضى لا يستفيد منها أي طرف.
* *
إذاً، كيف يمكن تقريب المسافة بين وجهات النظر، في ظل غياب التفاهم بين النظام وهذه الحشود من المتظاهرين على ما يحمي السودان من هذا الصراع المدمر، وكيف يمكن للسودان أن يخرج من هذه الأزمة بأقل الأضرار، بينما ما زال كل طرف يتمسك بموقفه ويرى أنه على حق، وأن الحلول بيده لا بيد غيره، في أجواء مشحونة بالتوتر؟
* *
هذه الأسئلة تقودنا إلى القول بأن السودان يعاني وضعاً اقتصادياً صعباً، وأن على أشقائه أمام هذا التشخيص لوضعه الاقتصادي المتردي دعمه ومساندته، بما لا يجعل الشعب مضطراً إلى إظهار العصيان أو تكرار المظاهرات ضد نظام يقترب عمره في حكم السودان من ثلاثين عاماً، ولعل مبادرة الملك سلمان بإرسال وفد عالي المستوى للتعرّف على احتياجات البلاد وايجاد حلول لها يشكِّل مفتاح الحل للانتصار للسودان دولةً وشعباً.
* *
المملكة قدمت للسودان دعماً مالياً سخياً بلغ أكثر من 23 ملياراً على شكل قروض لمشاريع تنموية، منها 8 مليارات تمت في سنوات تولي الملك سلمان الحكم في البلاد، وكانت رسالة الملك واضحة حين أرسل الوفد إلى هناك، فقد تم الإعلان عن أن هناك برامج تنموية وقروضاً واستثمارات درست وأخرى قيد الدراسة في إطار التعاون بين البلدين مما يفتح الطريق للدول الشقيقة الأخرى للاقتداء بالمملكة في دعم السودان.
* *
ولا بد من التذكير بأن العلاقة السعودية - السودانية علاقة تاريخية، فقد كان السودانيون جزءاً من منظومة الأساتذة والمعلمين في مدارسنا منذ وقت مبكر، وكان السودانيون وما زالوا من بين المقيمين الأكثر الذين يعملون في أجواء مريحة بالمملكة لا في غيرها، لهذا فنحن نخاف على السودان، ونتمنى من الرئيس عمر البشير أن يتعامل بالحكمة وحسن التصرف مع الشارع المحتج بما لا يصب أي قرار غير مدروس الزيت على النار المشتعلة.