فهد بن جليد
في دراستي الجامعية أذكر أنَّ الدكتور سمح لنا بإدخال الكُتب والمُذكرات والاستعانة بها لحل أسئلة الاختبار، كانت بالنسبة لي صدمة ثقافية وتعليمية في -المرَّة الأولى- كنتُ أعتقد حينها أنَّ الأستاذ الأجنبي لا يُبالي بمصلحتنا، فقد قضيت عمري الدراسي بأكمله ممنوعاً من إدخال أي ورقة أو كلمة، بل إنَّني مُلزم بتفقد وخلو «الماصة والكرسي» الذي أجلس عليه من أي كتابات أو آثار «براشيم» زميل سابق، ولكنَّني اكتشفت فيما بعد أنَّ هذه التجربة جعلتني أتعلم أنَّ الفهم أهم من الحفظ، وأنَّ فكرة التعليم في الأساس هي في كيفية استخراج المعلومة وفهمها بالشكل الصحيح من أي مكان أو مرجع، ووضعها في مكانها واستخدامها وإعادة صياغتها بطريقتي الخاصة، وليست بالحفظ الذي سيجعلنا جميعاً مُتشابهين في النصوص والكلمات والتعابير، وهذا -برأيي- غير صحي وغير صحيح، فالتنوع في الفهم والإدراك وطرق التعبير، وفتح مجال للحوار والنقاش والاستدلال والاستنباط، واستنتاج الأفكار والدلائل، أهم بكثير من ترديد ذات الجُمل دون استيعاب وفهم كامل. تذكرت ذلك وأنا أقرأ خبر إلغاء مملكة البحرين الشقيقة هذا الأسبوع للواجبات المدرسية نهائياً في مراحل التعليم، واستبدالها بالتطبيقات العملية داخل المدارس، الفكرة التي أثبتت نجاحها في أكثر من دولة وعلى رأسها «فنلندا» الأولى في مخرجات التعليم على مستوى العالم.
حل الواجبات المدرسية ظل لعقود طويلة في مفهومنا التربوي والتعليمي -وما زال عند كثيرين- هو سر النجاح والتفوق عندما كان الطالب يكتب الواجب المنزلي أكثر من مرَّة ليتحسَّن خطه ويزيد فهمه، الحقيقية أنَّ الواجبات المنزلية فرضت في الأصل كعقاب للطلاب، وهذا هو الفكر ذاته الذي يمنع إدخال المصادر والمراجع لصالة الاختبار أو الاستعانة بها، العملية التربوية تطوَّرت وباتت للواجبات المنزلية مفاهيمها ومهاراتها، فالوالدان يعتقدان دوماً أنَّ دورهما مُتابعة الولد ليقوم بواجباته المنزلية حتى ينجح، لأنَّها من أهم المهام التعليمية التي يعتقدها الجميع، فقد ظهر علينا المُدرِّس الخصوصي الذي يقوم بمُساعدة الطالب على حل واجباته ليحصل على درجة أعمال السَّنة كاملة، وقبل قليل ظهرت برامج إلكترونية وتطبيقات مُتخصِّصة لحلول الواجبات الدراسية إلكترونياً، أمَّا اليوم فنحن أمام دعوات وتجارِّب عالمية لإلغاء الواجبات المنزلية.
ما يحدث هو استبدال الواجبات بساعة نشاط ومهام يومية داخل المدرسة تكون بإشراف المُعلمين، يتم فيها البحث والتعمُّق والنقاش والفهم والقراءة والتحليل، مع مُمارسة الهوايات وتطوير المواهب، أرجو أن نكون في القريب العاجل مُستعدين لذلك، بالاستفادة من التجربة الفنلندية «بنسختها البحرينية» الخليجية المُشابهة لنا ثقافياً ومُجتمعياً، وتقييمها قبل أن نكتشف بأنَّنا نُنهك الأبناء ونرهق الآباء، بواجبات منزلية ثبت عدم أهميتها أو دورها الحقيقي في التحصيل العلمي.
وعلى دروب الخير نلتقي.