كوثر الأربش
حينما نتحدث عن القيادة، نحن نتحدث عن ذلك الشخص الذي يمتلك قدرات فريدة في استكشاف المشكلات قبل حدوثها، أيضًا هو الشخص الذي يفكر بالخروج من الأزمات منتصراً أو بأقل الخسائر الممكنة. وهذه هبات ربانية تولد معنا، إنها قدرات فائقة توهب للقليل منا. لهذا حينما نتحدث عن التمكين نحن لا نتحدث عن عملية خلق من العدم، بل عن وهب الفرصة لهؤلاء حتى يأخذوا بنا وبوطننا نحو التقدّم. إنك حين تزرع بذرة برتقال مثلاً، لا تعطيها التعليمات كيف تنتج برتقالاً وما هو لونه وطعمه وحجمه. أنت فقط تعطيه الفرصة المناسب، ومن ثم تتركه ينتج ما بداخله من صفات. ما قامت به رؤية 2030، هو وهب الثقة والفرصة لهؤلاء السيدات. لاحظ نحن لا نتحدث عن تمكين المرأة، بل عن تمكين القيادات النسائية وهو بُعد خاص جداً، بفئة خاصة من البشر. فنحن نعلم أن القيادة ليست إدارة فقط. إننا نتطلع للقياديات. هؤلاء السيدات القادرات على قلب المعادلة لصالح المؤسسات والوطن كافة.
فإذا كنا نتحدث عن كل ما توليه القيادة الرشيدة للمرأة، وعن مكاسب رؤية 2030، فإننا نتحدث عن (تكافؤ الفرص في التعليم والتدريب. إدماج المرأة ضمن الكوادر الدبلوماسية، وإصدار الكثير من التشريعات كالحماية من الإيذاء. قيادة المرأة، تعزيز مشاركتها الرياضية، رفع مشاركتها في سوق العمل 30 % ورفع مشاركتها في مناصب عليا في الخدمة المدنية من 39 إلى 42 بالمئة). هذا يعني أن الطريق ممهد، وأن الفرص متاحة، لقد تبقى على المرأة فقط قفز حاجز التردد وأن تتخذ موضعها اللائق في مجتمع الاقتصاد المعرفي.
كلنا متفقون أنه مر زمن على المرأة في العالم كله، لم تتخذ موضعها الحقيقي في المجتمعات البشرية. وذلك الوضع لم يستثن بقعة على الخارطة، حتى الجزيرة العربية. إني لا أتحدث عن التشدد الديني الذي عزلها، وحصرها في إطار خانق، ولا أتحدث عن العادات والتقاليد القديمة التي طوّقت عقلها، وتجربتها بحدود ضيّقة، بل أتحدث حتى عن التنوير والانفتاح والتحضير، الذي استغل المرأة بغية تدمير المثل والمبادئ وترويج المادية الحضارية. هذه الاتجاهات الثلاثة لم تظلم المرأة وحسب، بل أضرت بالمجتمعات، كونها أعاقت أحد محركاته الأساسية. تخيل كم تكلف الدول رعاية العاطلين والإنفاق عليهم؟ وكم تخسر الميزانيات الدولية على المطلقات والأرامل بسبب كونهن عاطلات؟ للأسف بعض النظم التقليدية، جعلت من المرأة في عداد المعاقين. وعندما أقول معاقين أنا لا أقصد ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذه فئة قوية، يمكنها تحقيق ذاتها رغم وجود بعض النقص في الأعضاء أو الحواس. أقول معاقة بمعنى القعود التام والسلبي عن الاهتمام بذاتها أو بمن حولها. من هنا تأتي أهمية تمكين المرأة، ليس من أجل ملاحقة العالم وتقليده. الأمر أكبر من هذا بكثير. الأمر هو أن تلقي المرأة بكل عكاكيزها وتكتشف أن لديها قدمين تركض بهما نحو الحياة. إننا بحاجة للكثير من الوقت والجهد لنلغي ثقافة سنوات فائتة، بأن المرأة بحاجة للاعتماد على الآخرين. وخصوصاً الرجل.
إذًا حديثنا هنا عن الفرصة، وهي بحمد الله ثم بفضل حكمة القيادة متوفرة، كما قلت في البداية. وعلى المرأة أن لا تبددها، استغلال الفرص، واتخاذ القرارات المُثلى هو لبّ القيادة..