م. بدر بن ناصر الحمدان
على مستوى الإدارة العمرانية لا أعتقد أن هناك مهمة أكثر صعوبة من إدارة مدينة مثل العاصمة الرياض، قد يبدو هذا الرأي مبالغًا فيه من القراءة الأولية، ولكن عند التعرض لتحليل دقيق ومقارن لسيناريو النمو الذي حدث للمدينة سنكتشف أن هذا الأمر على قدر كبير من القناعة، فهذا التجمع الحضري الضخم سجل ظاهرة تنموية غير مسبوقة نسبة إلى العوامل الزمنية والمكانية والوظيفية -كحالة استثنائية- ربما لا تتكرر كثيرًا على مستوى مدن العالم مما شكل تحديًا لإدارتها منذ تأسيس اول جهاز نظامي للبلديات في مدينة الرياض عام 1937م.
المؤشرات الرقمية لدى إدارة المدينة تقول إن إجمالي مساحة النطاق العمراني لمدينة الرياض تبلغ 1785كم2 (المرحلة الأولى 635كم2 والمرحلة الثانية 1150كم2) وتغطي المناطق المأهولة دائرة قطرها 50 كم/ط بينما تغطي حدود الرياض الكبرى دائرة قطرها 75 كم/ط، ويبلغ عدد سكان المدينة اليوم 6.506.700 نسمة بعد أن كان عدد سكانها اقل من 8000 نسمة عام 1862م وبمساحة عمرانية لا تتجاوز 1كم2 آنذاك.
معدل النمو السكاني للرياض يتجاوز 4 في المائة، وتستقبل المدينة سنويًا ما يقارب 23 ألف ساكن جديد 75.4 في المائة منهم باحثون عن العمل و8.9 في المائة للانضمام الاجتماعي بينما 8.8 في المائة قدموا بغرض التعليم، يقطنون جميعهم مع سكان المدينة الآخرون في 1.217.996 وحدة سكنية، وتشهد الرياض أكثر من 10 ملايين رحلة يومية تقريبًا للسيارات داخل شبكة الطرق المحلية.
المخطط الرئيس لمدينة الرياض (دوكسيادس) وضع ما بين عام 1968 - 1972م وكانت التنبؤات تشير إلى أن الرياض سوف تستوعب 1.4 مليون نسمة بحلول عام 2001م على مساحة قدرها 304 كم2 إلا أن ما حدث كان مخالفًا لكل هذه التوقعات التي فاقت ذلك حيث إنه وبحلول هذا التاريخ تجاوزت الرياض 4.5 ملايين نسمة أي ثلاثة أضعاف الرقم المتوقع، بالإضافة إلى أن مساحتها باتت خمسة أضعاف المساحة المقترحة.
مثل هذا التحول النوعي والكمي في نموذج التنمية العمرانية لمدينة الرياض كان كفيلاً بأن يحدث خللاً في تركيبتها العمرانية وفقدان توازن النمو القطاعي في المدينة إلا أن الرياض ورغم ذلك استطاعت التحكم بإدارتها المكانية والسيطرة عليها نتيجة القرارات التخطيطية الملائمة للإدارة الحضرية التي اتخذت لتوجيه وضبط وترشيد النمو العمراني للمدينة مما قلل من مستوى التدهور العمراني، بل أسهم في قيادتها لمستقبل متطور ومتميز نتيجة ثبات الرؤية المستقبلية الشاملة لإدارتها؛ وأتاح للمدينة أن تخوض تجربة ثرية وفريدة من نوعها على مستوى العالم في أسلوب مواجهة التحديات وإدارة الانفجار السكاني إدارة منطقية وجادة، وأسهم في جعل الرياض من أقل المدن التي تحوي مناطق عشوائية أو تلك التي تحتضن مدن الصفيح على أطرافها.
دراسات المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض أعد لاستيعاب 10.5 مليون نسمة بحلول عام 2021م، كما تضمنت ملامح التنمية المستقبلية في مدينة الرياض حتى عام 2028م برنامجًا تنفيذيًا يتكون من 100 مشروع، وبرامج تطوير مختلفة وعددًا من السياسات التنفيذية التي تتوزع على قطاعات التنمية المختلفة مما يثبت أن الرياض تسير بخطى واثقة وطموحة أمام تحدياتها الحالية والمستقبلية.
تجربة الإدارة المثلى التي خاضتها وتخوضها الرياض في مجابهة التحديات التنموية المختلفة وما تشهده اليوم من تقدم كبير على مستوى التنمية والتطوير جعل منها واجهة عالمية استطاعت أن تضع لها مكانة متقدمة في منظومة تنافسية المدن.